استهلَّ الاب الاقدس بالقول: إنَّ الأزمة التي نمر بها بسبب الوباء تصيب الجميع؛ ويمكننا أن نخرج منها بشكل أفضل إذا سعينا جميعًا إلى الصالح العام معًا. للأسف نشهد ظهور مصالح فرديّة. على سبيل المثال، هناك من يريد يستأثر بالحلول الممكنة، كما في حالة اللقاحات. يستغل البعض الموقف من أجل إثارة الانقسامات، ومن أجل البحث عن مزايا اقتصادية أو سياسية، تولِّد أو تزيد النزاعات. وآخرون ببساطة لا يهتمون بمعاناة الآخرين، فيمضون قدمًا ويذهبون في طريقهم الخاص.
إن الجواب المسيحي على الوباء وما ينتج عنه من أزمات اجتماعية واقتصادية يقوم على المحبة، ولاسيما على محبة الله الذي يسبقنا دائمًا. هو يحبنا بدون قيد أو شرط، وعندما نقبل هذا الحب الإلهي، يمكننا أن نجيب بطريقة مماثلة. فلا أحب فقط الذين يحبونني: عائلتي، أصدقائي، مجموعتي، وإنما أيضًا أولئك الذين لا يحبونني، والذين لا يعرفونني، أو الغرباء، وكذلك الذين يجعلونني أعاني أو الذين أعتبرهم أعداء. بالتأكيد إنّ محبة الجميع، بما في ذلك الأعداء، هي أمر صعب – لا بل أقول إنه فن! لكنه فن يمكننا تعلُّمه وتحسينه. إنَّ المحبة الحقيقية، التي تجعلنا مثمرين وأحرارًا، هي على الدوام واسعة النطاق وشاملة. هذه المحبة ترعى وتشفي وتصنع الخير.
لذلك، لا يقتصر الحب على العلاقات بين شخصين أو ثلاثة، أو الأصدقاء، أو العائلة. بل هو يشمل أيضًا العلاقات المدنية والسياسية، بما في ذلك العلاقة مع الطبيعة…
يُظهر لنا فيروس كورونا أن الخير الحقيقي لكلِّ فرد هو خير عام، والعكس صحيح، الخير العام هو خير حقيقي للإنسان. بالإضافة إلى كونها فردية، تُعتبر الصحة أيضًا خيرًا عامًا. والمجتمع السليم هو المجتمع الذي يعتني بصحة الجميع. ولذلك ينبغي مواجهة الفيروس الذي لا يعرف الحواجز والحدود والتمييز الثقافي والسياسي بواسطة محبّة بدون حواجز وحدود وتمييز. يمكن لهذا الحب أن يولد هيكليات اجتماعية تشجعنا على المشاركة بدلاً من المنافسة، وتسمح لنا بإدماج الفئات الأكثر ضعفًا وعدم تهميشها، وتساعدنا لكي نعبّر عن أفضل ما في طبيعتنا البشرية وليس الأسوأ. في الواقع، عندما نحب ونولِّد الإبداع والثقة والتضامن، تظهر مبادرات ملموسة من أجل الخير العام. وهذا الأمر يصلح على مستوى الجماعات الصغيرة والكبيرة، وعلى المستوى الدولي.
أما إذا كانت حلول الوباء تحمل بصمة الأنانية، سواء كانت لأشخاص أو شركات أو دول، فربما سنتمكّن من الخروج من فيروس كورونا، لكن بالتأكيد ليس من الأزمة الإنسانية والاجتماعية التي سلّط عليها الفيروس الضوء وأبرزها. وبالتالي علينا أن نتنبّه لكي لا نبني على الرمل! لأنّه ولكي نبني مجتمعًا سليمًا، شاملاً وعادلاً ومسالمًا علينا أن نبنيه على صخرة الخير العام؛ وهذه مهمة الجميع، وليس فقط مهمّة بعض المتخصصين. لقد كان القديس توما الأكويني يقول إنَّ تعزيز الخير العام واجب عدالة يقع على عاتق كل مواطن. وهو أيضًا رسالة بالنسبة للمسيحيين. كما يعلم القديس أغناطيوس دي لويولا، فإن توجيه جهودنا اليومية نحو الخير العام هو أسلوب لكي ننال مجد الله وننشره (…).
نقلاً عن اذاعة الفاتيكان
التعليقات مغلقة.