أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول لقد تأملنا في الأسابيع الأخيرة حول الفضائل الأساسية: الحكمة والعدالة والقوّة والاعتدال. وكما أكدنا عدة مرات، هذه الفضائل الأربع تنتمي إلى حكمة قديمة جدًا، تسبق المسيحية أيضًا. حتى قبل المسيح، كان يتم تعليم الصدق كواجب مدني، والحكمة كقاعدة للعمل، والشجاعة كعنصر أساسي لحياة تتوق إلى الخير، والاعتدال كإجراء ضروري لتجنب الوقوع في الإفراط. إنَّ إرث البشريّة القديم هذا لم يتم استبداله بالمسيحية، بل تم التركيز عليه بشكل واضح، وتم تقديره، وتنقيته، وإدماجه في الإيمان.
تابع يقول وبالتالي هناك في قلب كل رجل وامرأة القدرة على البحث عن الخير. إنَّ الروح القدس يُعطى لكي يتمكن الذي يقبله من أن يميِّز بوضوح بين الخير والشر، ويكون لديه القوة لكي يلتزم بالخير ويتجنب الشر، فيبلغ هكذا تحقيق الإيمان الكامل. ولكن في المسيرة التي نقوم بها جميعًا نحو ملء الحياة، الذي هو مصير كل شخص، يتمتع المسيحي بمساعدة خاصة من روح يسوع المسيح. ويتحقق ذلك من خلال عطيّة ثلاث فضائل أخرى، مسيحية بحتة، غالبًا ما يتم ذكرها معًا في كتابات العهد الجديد. هذه المواقف الأساسية التي تميز حياة المسيحيين هي الإيمان والرجاء والمحبة. وسرعان ما أطلق عليها الكُتَّاب المسيحيون اسم “الفضائل اللاهوتيّة”، لكوننا ننالها ونعيشها في العلاقة مع الله، لكي يميِّزوها عن الفضائل الأخرى التي تُسمّى “الأساسية”، لأنها تشكّل “أساس” الحياة الصالحة والتي ننالها في المعموديّة وتأتي من الروح القدس. جميع هذه الفضائل، إذ وُضعت معًا، تكوِّن قائمة من سبع فضائل غالبًا ما تتناقض مع قائمة الرذائل السبع المميتة. وهكذا يصف التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عمل الفضائل اللاهوتية: “هي في أساس الفعل الاخلاقي المسيحي، وهي تنعشه وتميزه. وهي التي تعطي الفضائل الاخلاقية صورتها وتحييها. ينفح الله بها نفس المؤمنين ليجعلهم قادرين على أن يسلكوا كأبنائه، ويستحقوا الحياة الابدية. وهذه الفضائل الثلاثة – الإيمان والرجاء والمحبة – هي عربون حضور الروح وفعله في قوى الكائن البشري”.
تابع الحبر الأعظم يقول في حين أن خطر الفضائل الأساسية هو خلق رجال ونساء أبطال في فعل الخير، ولكنهم وحدهم ومعزولين، فإن العطية الكبرى للفضائل اللاهوتية هي الحياة المعاشة في الروح القدس. إنّ المسيحي ليس وحيداً أبداً. هو يصنع الخير ليس بفضل جهد جبار من الالتزام الشخصي، وإنما لأنه، كتلميذ متواضع، يسير خلف المعلم يسوع. إن المسيحي يملك الفضائل اللاهوتية التي هي الترياق الأعظم ضدَّ الاكتفاء الذاتي. كم من مرة يتعرض بعض الرجال والنساء المعصومين أخلاقيًا لخطر أن يصبحوا، في نظر الذين يعرفونهم، مغرورين ومتغطرسين! إنه خطر يحذرنا منه الإنجيل جيدًا، حيث يوصي يسوع تلاميذه: “كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا”. الكبرياء هو سم قوي: قطرة واحدة منه تكفي لتدمير حياة بأكملها مطبوعة بالخير. قد يكون الشخص قد أنجز جبلًا من الأعمال الخيرية، وربما قد يكون قد حصل على التقدير والثناء، ولكن إذا كان قد فعل هذا كلّه من أجل نفسه فقط، ولتمجيد نفسه، فهل لا يزال من الممكن اعتباره شخصًا فاضلاً؟
أضاف يقول إنّ الخير ليس غاية فحسب، بل هو وسيلة أيضًا. إنّ الخير يحتاج إلى الكثير من التكتُّم، والكثير من اللطف. ولكن الخير يحتاج بشكل خاص إلى أن يتجرَّد من ذلك الحضور المرهق أحيانًا والذي هو الـ “أنا”. إذا كان كل فعل نقوم به في الحياة نقوم به لأنفسنا فقط، فهل هذا الدافع مهم حقًا؟
وختم تعليمه الأسبوعي بالقول لكي نُصحِّح كل هذه المواقف التي تصبح مؤلمة أحيانًا، يمكن للفضائل اللاهوتية أن تساعدنا كثيرًا. هي تساعدنا بشكل خاص في لحظات السقوط، لأنه حتى الذين لديهم مقاصد أخلاقية صالحة يسقطون أحيانًا أيضًا. كما أن الذين يتمرّسون في الفضيلة يوميًا يخطئون أحيانًا: إن الذكاء ليس جليًّا دائمًا، والإرادة ليست ثابتة على الدوام، كذلك لا يمكن التحكُّم بالأهواء دائمًا، ولا يمكن للشجاعة أن تتغلب دائمًا على الخوف. ولكن إذا فتحنا قلوبنا للروح القدس، فهو سينعش الفضائل اللاهوتية فينا: عندها إذا كنا قد فقدنا الثقة، سيفتحنا الله مجدّدًا على الإيمان؛ وإذا كنا نشعر بالإحباط، فسيوقظ الله فينا الرجاء؛ إذا كان قلبنا قد أصبح قاسيًا، فسيليِّنه الله بمحبته.
التعليقات مغلقة.