استهل البابا تعليمه موجهاً كلمة شكر إلى جميع من قاموا بالإعداد للزيارة ومن رافقوه خلالها بواسطة الصلاة، وعبر عن امتنانه للسلطات والكنيسة المحلية والشعب المجري الشجاع والغني بالذاكرة. وقال إنه يود أن يتحدث عن هذه الزيارة مستخدماً صورتَي الجذور والجسور.
بعدها أكد أنه توجه حاجاً وسط شعب طُبع تاريخه بالعديد من القديسين والأبطال، الذين أُحيطوا بأشخاص متواضعين ومجتهدين، كما قال عنهم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارته البلاد عام ١٩٩٦. ولفت فرنسيس إلى أنه شاهد شعباً بسيطاً ومجتهداً يحافظ بفخر على جذوره. ومن بين هذه الجذور هناك القديسون، كما أظهرت الشهادات خلال اللقاءين مع الكنيسة المحلية ومع الشبيبة. إنهم قديسون ضحوا بحياتهم في سبيل الشعب، قديسون شهدوا لإنجيل المحبة وكانوا نوراً في الأوقات المظلمة، قديسون من الماضي يحثوننا اليوم على تخطي خطر الاستسلام والخوف من الغد، مذكرين إيانا بأن المسيح هو مستقبلنا. وأضاف أن الجذور الصلبة المسيحية للشعب المجري تعرضت للامتحان وامتُنحن إيمانهم بالنار. فخلال الاضطهاد الملحد في القرن العشرين، قُتل العديد من الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين، أو تم اعتقالهم. وإزاء محاولة قطع شجرة الإيمان ظلت الجذور كما هي. وبقيت كنيسةٌ تعيش في الخفاء لكنها حية وقوية بفضل قوة الإنجيل. وأكد فرنسيس أن القمع الشيوعي في المجر سبقه قمع نازي، مع الترحيل المأساوي للعديد من أفراد الجالية اليهودية. وفي خضم عمليات الإبادة هذه تميز كثيرون بالمقاومة والقدرة على حماية الضحايا، وهذا ما حصل لأن جذور العيش المشترك كانت صلبة. ولفت إلى وجود شاعرة مجرية في روما تُدعى إيديث بروك، وتحتفل اليوم بعيد ميلادها الثاني والتسعين، موضحاً أنها مرت بكل تلك التجارب، وهي تحدث اليوم الشبان عن ضرورة النضال في سبيل المثل كي لا يتغلب عليهم الاضطهاد والإحباط. تابع تعليمه الأسبوعي قائلا إن الحرية هي مهددة اليوم أيضا، من خلال الاستهلاكية التي تخدّر الإنسان، إذ يكتفي بشيء من الرخاء المادي وينسى الماضي، ويعيش في حاضر صُنع على قياس الفرد. لكن هذه الجذور تختنق عندما يقتصر الأمر على الاهتمام بالذات فقط. وهذه المشكلة تعني أوروبا كلها حيث الأزمات محدقة بتكريس الذات للآخرين، وبالشعور بأننا جماعة، وبجمال الحلم معاً وتأسيس عائلات كبيرة. وشدد البابا في هذا السياق على ضرورة التفكير في أهمية الحفاظ على الجذور لأن الغوص في العمق يمكّن الأغصان من النمو ومن إعطاء الثمار. ولا بد من أن نتساءل ما هي الجذور الأهم في الحياة؟ هل نتذكرها ونعتني بها؟ بعدها توقف عند الصورة الثانية ألا وهي الجسور. وقال إن بودابيست التي أبصرت النور لمائة وخمسين سنة خلت بفضل الاتحاد بين ثلاث مدن، مشهورة بالجسور التي تعبرها وتجمع بين أطرافها. وأضاف أنه ذكّر – في خطابه إلى السلطات المدنية – بضرورة السعي إلى بناء جسور سلام بين الشعوب المختلفة. هذه هي دعوة أوروبا بنوع خاص التي ينبغي أن تحتوي الاختلافات وتستضيف من يقرعون بابها. وأشاد فرنسيس بالجسر الإنساني الذي شُيد للسماح بعبور العديد من النازحين القادمين من أوكرانيا المجاورة، لافتا إلى أنه تمكن من الالتقاء ببعض هؤلاء النازحين وثمّن بإعجاب شبكة المحبة والأعمال الخيرية التي أنشأتها الكنيسة المجرية. مضى إلى القول إن المجر ملتزمة في بناء جسور من أجل الغد. فهي مهتمة جداً بالقضايا الإيكولوجية وبالمستقبل المستدام، ويتم العمل من أجل بناء جسور بين الأجيال، بين المسنين والشبان، وهذا هو تحد أساسي للجميع. وثمة جسور يتعين على الكنيسة أن تمدها نحو إنسان اليوم لأن إعلان المسيح لا يمكن أن يقتصر فقط على تكرار أحداث الماضي، إذ لا بد أن يُحدّث على الدوام، من أجل مساعدة رجال ونساء زماننا الحاضر على إعادة اكتشاف يسوع. وذكّر البابا هنا بالقداس الذي ترأسها يوم الأحد الفائت وشهد مشاركة كبيرة، وقال إنه يفكر بجمال بناء جسور بين المؤمنين. ولفت إلى حضور مسيحيين من مختلف الطقوس والطوائف والبلدان، والذين يتعاونون مع بعضهم في المجر ويبنون جسورا من التناعم والوحدة. في ختام مقابلته العامة مع المؤمنين ذكّر البابا، مع بداية شهر أيار مايو، بأن المجريين متعبدون جدا لوالدة الله القديسة. فقد كرسوا أنفسهم لها، بدءا من ملكهم الأول، القديس أسطفانوس، وكانوا يتضرعون إليها مستخدمين عبارة “الملكة”. وقال فرنسيس: إلى ملكة المجر، نوكل هذا البلد العزيز، إلى ملكة السلام نوكل بناء الجسور في العالم، إلى ملكة السماء، التي نتضرع إليها في هذا الزمن الفصحي، نوكل قلوبنا لكي تكون متجذرة في محبة الله. في تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين في ختام المقابلة العامة تضرع البابا إلى العذراء مريم كي يوضع حد لأعمال العنف المرتكبة في أوكرانيا، وسألها أيضا أن تشفع بأوروبا كي تحافظ على الإيمان والوحدة والتعاون المتناغم وقبل كل شيء السلام، لاسيما في أوكرانيا القريبة. |
التعليقات مغلقة.