أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول نضع اليوم أنفسنا في الإصغاء لـ “الوثيقة الكبرى” للبشارة في العالم المعاصر: الإرشاد الرسولي “إعلان الإنجيل” للقديس البابا بولس السادس. إن البشارة هي أكثر من مجرد نقل عقائدي وأخلاقي بسيط. إنها قبل كل شيء شهادة للقاء الشخصي مع يسوع المسيح، الكلمة المتجسد الذي فيه تم الخلاص. شهادة لا غنى عنها لأن العالم يحتاج أولاً إلى “مبشرين يتحدثون إليه عن إله يعرفونه ومألوف لهم”؛ وكذلك لأن “الإنسان المعاصر يصغي طوعًا إلى الشهود أكثر مما يُصغي إلى المعلمين، […] أو إذا أصغى إلى المعلمين، فذلك لأنهم شهود”. لذلك، فإن شهادة المسيح هي في الوقت عينه الوسيلة الأولى للبشارة وشرط أساسي لفعاليتها، لكي يكون إعلان الإنجيل مثمرًا.
يقول كذلك يجب أن نتذكر أن الشهادة تتضمّن أيضًا الإيمان الذي نُعلِنه، أي الاتِّباع المقنع والواضح لله الآب والابن والروح القدس، الذي خلقنا وافتدانا حُبًّا بنا. إيمان يغيرنا ويحول علاقاتنا والمعايير والقيم التي تحدد اختياراتنا. لذلك، لا يمكن للشهادة أن تتجاهل الترابط بين ما نؤمن به وما نُعلنه. وبالتالي يُدعى كلُّ واحد منا لكي يجيب على ثلاثة أسئلة أساسية، كما صاغها البابا بولس السادس: “هل تؤمن بما تُعلنه؟ هل تعيش ما تؤمن به؟ هل تعلن ما تعيشه؟”. لا يمكننا أن نقبل بالإجابات السهلة والجاهزة. نحن مدعوون لكي نقبل خطر البحث المزعزع للاستقرار، ونثق بشكل كامل في عمل الروح القدس الذي يعمل في كل واحد منا، ويدفعنا لكي نمضي قدمًا على الدوام: خارج حدودنا، وأبعد من حواجزنا ومحدوديّاتنا من أي نوع كانت.
يقول بهذا المعنى، تتضمّن شهادة الحياة المسيحية مسيرة قداسة تقوم على المعمودية، وتجعلنا مشاركين في الطبيعة الإلهية، وبالتالي قدّيسين حقًا. والقداسة لا تقتصر على عدد قليل من الأشخاص، لا! بل هي عطيّة من الله وتتطلب أن نقبلها وأن نجعلها تُثمر لنا وللآخرين. وإذ اختارنا الله وأحبنا، نحن مدعوون لكي نحمل هذه المحبّة للآخرين. يعلّم البابا بولس السادس أن الغيرة للبشارة تنبع من القداسة، ومن القلب المُمتلئ بالله. وإذ تتغذى بالصلاة ولاسيما من محبة الإفخارستيا، تجعل البشارة بدورها الأشخاص الذين يقومون بها ينمون في القداسة. وفي الوقت عينه، بدون قداسة، فإن كلمات المبشِّر ستجد بالكاد طريقها إلى قلب إنسان عصرنا، وستواجه خطر أن تكون عديمة الجدوى وعقيمة، وأن تكون مجرّد كلمات.
يقول لذلك، علينا أن ندرك أن الذين ينالون البشارة ليسوا فقط الآخرين، الذين يعتنقون ديانات أخرى أو الذين لا ينتمون لأيّة ديانة، وإنما نحن أيضًا، الذين نؤمن بالمسيح ونحن أعضاء فاعلون في شعب الله. لذلك علينا أن نرتدَّ يوميًّا ونقبل كلمة الله ونغيّر حياتنا، وهكذا يمكننا أن نبشِّر قلوبنا. ولكي تُقدِّم هذه الشهادة، على الكنيسة أن تبدأ أيضًا بتبشير نفسها؛ لأنها إذا لم تُبشِّر نفسها تبقى مُجرّد متحف، فيما أن ما يُحدِّثها هو بشارتها لنفسها. هي في الواقع، تحتاج إلى أن تُصغي باستمرار إلى ما يجب عليها أن تؤمن به، وأسباب رجائها، ووصية الحب الجديدة. وكشعب الله المنغمس في العالم، والذي غالبًا ما تجربه الأصنام، تحتاج الكنيسة على الدوام إلى أن تصغي إلى إعلان أعمال الله. وهذا يعني، في كلمة واحدة، أنها تحتاج على الدوام إلى أن تُبشَّر، وتحتاج إلى أن تأخذ الإنجيل وتصلّي وتشعر بقوّة الروح القدس الذي يبدأ بتغيير قلبها.
يقول إنَّ الكنيسة التي تبشر نفسها لكي تُبشِّر هي كنيسة مدعوة، إذ يقودها الروح القدس، لكي تقوم بمسيرة متطلبة من الارتداد والتجديد. وهذا الأمر يتضمّن أيضًا القدرة على تغيير أساليب فهم وعيش حضورها التبشيري في التاريخ، وتجنب اللجوء إلى المناطق التي يحميها منطق الـ “لقد تصرّفنا دائمًا على هذا النحو”. هذه الكنيسة هي موجّهة بالكامل إلى الله، وبالتالي هي تشارك في مشروعه لخلاص البشرية، وفي الوقت عينه، هي موجّهة بالكامل نحو البشريّة. إنها كنيسة تواجه العالم المعاصر بطريقة حوارية، وتنسج علاقات أخوية، وتخلق فسحات لقاء، وتطبق الممارسات الجيدة للضيافة، والاستقبال، والاعتراف بالآخر وإدماجه، وتعتني بالبيت المشترك الذي هو الخليقة.
إلى القول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أجدد لكم الدعوة لكي تقرؤوا وتعيدوا قراءة الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” في البيت وفي جماعاتكم
التعليقات مغلقة.