استهل البابا كلمته لافتا إلى أن الغيرة الرسولية ينبغي أن تكون محرك الكنيسة وكل مسيحي، وقال إننا سنتوقف اليوم عند نموذج الإعلان الذي هو يسوع، مضيفاً أن مقطع الإنجيل الذي يُقرأ يوم عيد الميلاد يقدم يسوع على أنه “كلمة الله” ما يسلط الضوء على بُعد أساسي ليسوع: أي أنه دائماً في علاقة، فالكلمة موجودة في الواقع كي تُنقل، وبهذه الطريقة يأتي يسوع إلينا لكونه كلمة الآب، فهو لا يملك كلمة الحياة وحسب، بل جعل من حياته كلمة وهو يحيا متوجهاً دوماً صوب الآب وصوبنا.
قائلا إنه إذا ما نظرنا إلى يوميات يسوع، كما ترويها الأناجيل، نرى أن العلاقة الحميمة مع الآب تأتي في المقام الأول، من خلال الصلاة، إذ كان يستيقظ باكراً ويتوجه إلى منطقة خالية ليصلي. وكل القرارات والخيارات الهامة اتخذها بعد أن صلى، ومن خلال هذه العلاقة، من خلال الصلاة التي تربطه مع الآب بواسطة الروح القدس، اكتشف يسوع معنى كونه إنساناً، معنى وجوده في هذا العالم، كرسالة يقوم بها من أجلنا. بعدها عند أول ما فعله يسوع في حياته العلانية، فهو لم يصنع أموراً عجيبة، بل ذهب ليعتمد من يد يوحنا المعمدان. وبهذه الطريقة جعل نفسه متضامناً معنا من خلال مقاسمة الحياة بالكامل. وعندما تكلم عن رسالته قال إنه لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم وليهب حياته. وفي كل يوم – بعد الصلاة – كان الرب يكرس يومه بالكامل لإعلان ملكوت الله وللآخرين، لاسيما للفقراء والضعفاء، للخطأة والمرضى. : إذا أردنا أن نمثل حياة يسوع بصورة، فهذه الصورة يقدمها لنا هو نفسُه إذ يتحدث عن نفسه على أنه الراعي الصالح، الذي يهب نفسه في سبيل الخراف. فمهنة الراعي لم تكن مجرد عمل يتطلب وقتاً ومجهوداً، بل كانت نمط حياة، إذ يعيش الراعي مع خرافه على مدار الساعة، يرافقها إلى المراعي، ينام بينها، ويعتني بتلك الضعيفة منها. إن يسوع وهب حياته من أجلنا، وقلبه هو قلب الراعي. “راعي أو رعوي” تُستخدم عندما نتحدث عن عمل الكنيسة، وكي نقيّم نشاطنا الرعوي لا بد من النظر إلى النموذج، أي يسوع الراعي الصالح. وطلب فرنسيس من المؤمنين أن يتساءلوا ما إذا كانوا يقتدون به بواسطة الصلاة كي يكون قلبهم منسجماً مع قلبه؟ وأكد أن العلاقة الحميمة معه هي روح كل نشاط إرسالي. ويسوع نفسه قال لتلاميذه إنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً بدونه. ولفت البابا إلى أن قلب يسوع “الرعوي” يخفق دائماً من أجل من هو ضائع وبعيد. إننا استمعنا للتو إلى مثل الخروف الضال في الإنجيل، من الفصل الخامس عشر من إنجيل لوقا، هذا الفصل الذي يساعدنا على التمرس في الغيرة الرسولية ونكتشف أن الله لا يراقب حظيرة الخراف ولا يهددها إذا ما شاءت الرحيل، لكن إذا خرج خروف وضل طريقه، يذهب هو نفسه ليبحث عنه. فالقلب الرعوي يتألم ويجازف. وأكد فرنسيس أن الله يتألم إزاء من يرحل، يبكيه ويحبه أكثر من قبل. إنه يتألم عندما نبتعد عن قلبه، يتألم حيال من لا يعرفون جمال محبته ودفء معانقته. وإذ تعامل مع هذا الألم لا ينغلق على ذاته، بل يجازف، إنه يترك الخراف التسعة والتسعين الآمنة ويذهب بحثاً عن الخاروف الضال، وهذا التصرف قد يبدو غير منطقي لكنه منسجم مع قلبه “الرعوي” الذي يحنّ على من رحل، لا يكنّ الغضب بل يشعر بالحنين تجاهنا. هذه هي غيرة الله. تعليمه الأسبوعي متسائلا ما إذا كانت لدينا المشاعر نفسها. وقال إننا قد ننظر إلى من تركوا القطيع على أنهم خصوم أو أعداء، لكن ينبغي أن نشهد لهم – عندما نلتقي بهم – لفرح الآب الذي يحبهم والذي لا ينساهم أبدا. فالله يريد أن يوجه لهم كلمة طيبة، ولدينا شرف وواجب نقلها إليهم، لأن هذا ما يطلبه منا يسوع، الكلمة. وأضاف فرنسيس أننا ربما نتبع يسوع ونحبه منذ زمن طويل، ولم نتساءل قط ما إذا كنا نتألم ونجازف بشكل ينسجم مع قلبه الرعوي. وأكد البابا أن المسألة لا تتعلق بالبحث عن أتباع لزيادة العدد، إذ لا بد أن نحب الآخرين كي يكونوا أبناءً سعداء لله. في ختام تعليمه الأسبوعي سأل البابا فرنسيس المؤمنين أن يطلبوا – بواسطة الصلاة – نعمة أن يكون لهم قلب رعوي، لأنه بدون هذه المحبة التي تتألم وتجازف، نواجه خطر أن نرعى أنفسنا وحسب. في أعقاب المقابلة العامة مع المؤمنين دعا البابا فرنسيس الجميع مرة جديدة للصلاة على نية السلام في أوكرانيا حيث لا ينجو الأطفال من القصف. وسأل أيضا المؤمنين أن يصلوا من أجل المسيحيين المضطهدين في العالم، متذكراً الكاهن الذي قُتل مؤخرا في شمال نيجيريا. |
التعليقات مغلقة.