أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول نستأنف التعاليم حول موضوع التمييز، ونتوقف اليوم عند أول عناصره المكونة، وهو الصلاة.
الصلاة هي مساعدة لا غنى عنها للتمييز الروحي، لاسيما عندما تشمل العواطف، وتسمح لنا بالتوجه إلى الله ببساطة وإلفة، كما عندما نتحدث إلى صديق. إنها أن نعرف كيف نذهب أبعد من الأفكار وندخل في علاقة حميمة مع الرب بعفوية حنون. إن سر حياة القديسين هو الإلفة مع الله والثقة به، اللتان تنميان فيهم وتجعل من السهل عليهم أن يعرفوا ما يرضيه. الصلاة الحقيقيّة هي إلفة مع الله وثقة به، وليست مجرد تكرار صلوات مثل الببغاء، الصلاة الحقيقية هي عفوية ومودّة تجاه الرب. وهذه الألفة تتغلب على الخوف أو الشك في أن إرادته ليست لصالحنا، تجربة تمرُّ أحيانًا في أفكارنا وتجعل قلبنا قلقاً وغير واثق.
إنَّ التمييز لا يدّعي اليقين المطلق، لأنه يتعلق بالحياة، والحياة ليست دائمًا منطقية، ولها جوانب عديدة لا يمكن حصرها في فئة واحدة من الفكر. نود أن نعرف بالضبط ما يجب القيام به، ومع ذلك، حتى عندما يحدث ذلك، فإننا لا نتصرف دائمًا وفقًا لذلك. كم من مرة عشنا نحن أيضًا بالخبرة التي وصفها الرسول بولس: “لأن الخير الذي أريده لا أفعله، والشر الذي لا أريده إياه أفعل”. نحن لسنا عقل فقط، ولسنا آلات، ولا يكفي أن نتلقى تعليمات لكي ننفذها: فالعوائق، مثل المساعدة، لكي نختار للرب هي عاطفيّة بشكل خاص.
من المهم أن المعجزة الأولى التي صنعها يسوع في إنجيل مرقس هي طرد روح نجس. في مجمع كفرناحوم، حرّر رجلاً من الشيطان وحرره من صورة الله الزائفة التي يقترحها الشيطان منذ البدايات: صورة إله لا يريد سعادتنا. لقد كان الممسوس يعرف أن يسوع هو الله، لكن هذا الأمر لم يدفعه إلى الإيمان به، بل قال له في الواقع يقول: “أجئت لتهلكنا؟”.
يعتقد الكثيرون، بمن فيهم المسيحيون، الشيء نفسه: أي أنّه يمكن ليسوع أن يكون أيضًا ابن الله، لكنهم يشكُّون في أنه يريد سعادتنا؛ لا بل، يخشى البعض من أن أخذ اقتراحه على محمل الجد يعني تدمير حياتنا وإماتة رغباتنا، وأقوى تطلعاتنا. تظهر هذه الأفكار أحيانًا في داخلنا: أن الله يطلب منا الكثير، أو أنه يريد أن يأخذ منا أكثر ما هو عزيز علينا. باختصار، أي أنه لا يحبنا حقًا. ولكن، رأينا في لقائنا الأول أن علامة اللقاء مع الرب هي الفرح. أما الحزن أو الخوف فهما من علامات البُعد عنه: “إذا أردت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا”، قال يسوع للشاب الغني. لكن لسوء حظ هذا الشاب، لم تسمح له بعض العقبات بأن يحقق الرغبة التي كانت في قلبه، باتباع “المعلم الجيد” عن كثب. لقد كان شابًا مهتمًا ورائعًا، وكان قد أخذ المبادرة لكي يلتقي بيسوع، لكنه أيضًا كان منقسمًا جدًا في عواطفه، والغنى كانت مهمًّا جدًا بالنسبة له. لم يجبره يسوع على الاتخاذ القرار، لكن النص يشير إلى أن الشاب ابتعد عن يسوع “حزينًا”. إنَّ الذي يبتعد عن الرب لا يكون سعيدًا أبدًا، على الرغم من وجود وفرة كبيرة من الخيور والإمكانيات تحت تصرفه. إنَّ يسوع لا يجبرك أبدًا على اتباعه، أبدًا. بل هو يجعلك تعرف إرادته، بقلب كبير هو يجعلك تعرف الأمور ولكنه يتركك حراً. وهذا هو أجمل شيء في الصلاة مع يسوع: الحرية التي يتركها لنا. ولكن عندما نبتعد عن الرب، نشعر بحزن وبشعور سيء في القلب.
أن نميِّز ما يحصل في داخلنا ليس بالأمر السهل، لأن المظاهر تخدع، لكن الإلفة مع الله يمكنها أن تبدد الشكوك والمخاوف بطريقة عذبة، وتجعل حياتنا أكثر فأكثر تقبلاً لـ “نوره اللطيف”، بحسب التعبير الجميل للقديس جون هنري نيومان. يتألق القديسون بانعكاس نور ويُظهرون في التصرفات اليومية البسيطة حضور الله المحب، الذي يجعل المستحيل ممكناً. يقال إن الزوجين اللذين عاشا معًا لفترة طويلة في الحب يصبحان في النهاية متشابهين، ويمكننا أن نقول الشيء عينه عن الصلاة العاطفية: بطريقة تدريجية وإنما فعالة تجعلنا على الدوام أكثر قدرة على التعرف على ما هو مهم من حيث المطابقة في الطبيعة، كشيء ينبع من أعماق كياننا. أن أصلّي لا يعني أن أكرّر كلمات وكلمات، لا: أن أصلي يعني أن أفتح قلبي ليسوع، وأقترب منه وأسمح له أن يدخل إلى قلبي ويجعلني أشعر بحضوره. وهناك يمكننا أن نميز عندما يكون يسوع حاضرًا ومتى نكون نحن بأفكارنا، التي غالبًا ما تكون بعيدة عما يريده يسوع.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول لنطلب هذه النعمة: أن نعيش علاقة صداقة مع الرب، كما يتحدث الصديق مع صديقه. إنها نعمة علينا أن نطلبها من أجل بعضنا البعض: أن نرى يسوع كأعظم صديق لنا وأكثرهم إخلاصًا، لا يبتزنا، ولا يتخلى عنا أبدًا، حتى عندما نبتعد عنه. هو يبقى عند باب قلبنا. وفيما نقول له: “لا، لا أريد أية علاقة بك”، هو يبقى صامتًا، وقريبًا منا ومن قلبنا، لأنه أمين على الدوام. لنسر قدمًا بهذه الصلاة، لنقل صلاة الـ “مرحبًا”، صلاة تحية الرب بالقلب، صلاة المودة، صلاة القرب، بقليل من الكلمات وإنما بتصرفات وأعمال صالحة
التعليقات مغلقة.