بدأ قداسة البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي خلال المقابلة العامة صباح اليوم الأربعاء مذكرا بالحديث الأسبوع المنصرم عن شركة القديسين، وذلك انطلاقا مرة أخرى من شخصية القديس يوسف. وتابع قداسته أنه يريد اليوم التعمق فيما وصفه بتقوى الشعب المسيحي الخاصة للقديس يوسف كشفيع الميتة الصالحة، وهو ما ينطلق من الفكرة أن يوسف قد مات بين يدَي العذراء ويسوع.
ثم عاد البابا فرنسيس إلى البابا بندكتس الخامس عشر والذي كتب قبل قرن من الزمان إننا ومع القديس يوسف نتوجه مباشرة إلى مريم، ومن خلالها إلى ينبوع كل قداسة، يسوع. وشجع حينها البابا على إكرام القديس يوسف ناصحا بشكل خاص بأن يُعتبر هذا القديس الحارس الأكثر كفاءة للمحتضرين. أن البعض قد يعتقدون أن هذا الأمر يعود إلى الماضي، إلا أن علاقتنا بالموت لا ترتبط بالماضي أبدا بل بالحاضر دائما. وأراد البابا فرنسيس هنا التذكير بما كتب البابا الفخري بندكتس السادس عشر في رسالته حول التقرير الخاص بالاعتداءات الجنسية في ميونيخ حين تحدث عن قرب عبوره بوابة الموت المظلمة، كما وشكر البابا فرنسيس بندكتس السادس عشر على هذه الرؤية الواضحة. أن ما تُعرف بثقافة الرفاهية تحاول أن تزيل حقيقة الموت، إلا أن جائحة فيروس كورونا قد أبرزت مجددا هذه الحقيقة بشكل مأساوي حيث فقد الكثير من الأخوة والأخوات أشخاصا أعزاء بدون التمكن من أن يكونوا قريبين منهم، وقد جعل هذا أكثر صعوبة تقبُّل الموت والتعامل معه.
أنه ورغم ذلك فإنه يتم السعي بكل الطرق إلى إبعاد فكرة نهايتنا موهِمين أنفسنا بسلب الموت قوته وطرد خوفنا منه. وشدد البابا فرنسيس هنا على أن الإيمان المسيحي ليس وسيلة لطرد الخوف من الموت، بل هو يساعدنا بالأحرى على مواجهته. وواصل قداسة البابا أن النور الحقيقي الذي ينير سر الموت يأتي من قيامة المسيح. وذكَّر البابا هنا بكلمات بولس الرسول: “إِذا أُعلِنَ أَنَّ المسيحَ قامَ مِن بَينِ الأَموات، فكَيفَ يَقولُ بَعضُكُم إِنَّه لا قِيامةَ لِلأَموات؟ فإِن لم يَكُنْ لِلأَمواتِ مِن قِيامة، فإِنَّ المسيحَ لم يَقُمْ أَيضًا. وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل” (١قور ١٥، ١٢-١٤). وهكذا ففقط من الإيمان بالقيامة يمكننا أن ننظر إلى هوة الموت دون أن يهيمن علينا الخوف، بل ويمكننا حتى أن نمنح الموت دورا إيجابيا. فالتفكير في الموت الذي ينيره سر المسيح، قال الأب الأقدس، يساعد على النظر بأعين جديدة إلى الحياة بكاملها. وأضاف قداسته انه لم يرَ أبدا خلف عربة ميت حافلة تنقل ما كان لهذا الشخص، فما من معنى لتكديس الخيور إن كنا سنموت يوما ما. ما يجب تكديسه هو المحبة، القدرة على التقاسم، ألا نكون غير مبالين أمام احتياجات الآخرين. وللسبب نفسه فما من معنى لأن نتشاجر مع أخ أو أخت أو صديق أو أخ أو أخت في الإيمان. أمام الموت تتقلص أمور كثيرة، ومن الجيد أن نموت متصالحين بدون غضب.
ذكَّر قداسة البابا فرنسيس بعد ذلك بحديث الإنجيل عن الموت الذي يأتي كما اللص، ومهما أردنا السيطرة على مجيئه هذا، وذلك حتى ببمرجة موتنا، فسيظل الموت حدثا علينا أن نتعامل معه وأن نُجري أمامه اختيارات. وتحدث الأب الأقدس بالتالي عن أمرين علينا نحن المسيحيين أخذهما بعين الاعتبار. أولهما أنه ليس بإمكاننا تفادي الموت، ولهذا فإنه وبعد عمل كل ما يمكن لعلاج المريض فإن التعنت العلاجي يصبح غير أخلاقي. الأمر الثاني يتعلق بكيفية الموت، بالألم والمعاناة. وقال البابا في هذا السياق إن علينا أن نكون ممتنين للمساعدة التي يجهد الطب لتوفيرها من أجل أن يتمكن مَن يستعد لمواجهة الجزء الأخير من طريق حياته أن يفعل بهذا بأكثر الأشكال إنسانية، وذلك من خلال ما تُعرف بالعلاجات المخففة. وأراد البابا فرنسيس هنا التشديد على ضرورة ألا يتم الخلط بين هذه المساعدة وتوجهات غير مقبولة تقود إلى القتل. وأكد الأب الأقدس على ضرورة المرافقة إلى الموت لا التسبب فيه أو الإسهام في المساعدة على الانتحار.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي اليوم الأربعاء خلال المقابلة العامة ذكّر قداسة البابا فرنسيس بضرورة تفضيل الحق في العلاج للجميع كي لا يتعرض الأشخاص الأكثر ضعفا، وخاصة المسنون والمرضى، إلى الإقصاء أبدا. فالحياة هي حق، لا الموت الذي يجب تقبله لا تعاطيه، وهذا مبدا أخلاقي يطال الجميع لا فقط المسيحيين أو المؤمنين. ثم توقف الأب الأقدس عند ضرورة توفير العلاج للمسنين في كل الأحوال لأنهم حكمتنا التي يجب العناية بها، هم رمز الحكمة البشرية. وشدد قداسته على أن الحنان إزاء المسنين هو كما الحنان إزاء الأطفال، حنان يتمتع بالرجاء ذاته لأن كلاًّ من بداية الحياة ونهايتها سر يجب احترامه ومرافقته، العناية به ومحبته. ثم تضرع الأب الأقدس كي يساعدنا القديس يوسف على أن نعيش سر الموت بأفضل شكل ممكن. وأضاف أن الميتة الصالحة بالنسبة للمسيحي هي خبرة رحمة الله التي تقترب منا أيضا في تلك اللحظة الأخيرة من حياتنا. ثم طلب البابا فرنسيس أن يصلي الجميع معا صلاة السلام عليك يا مريم، والتي نطلب فيها من العذراء أن تكون قريبة منا في ساعة موتنا.
التعليقات مغلقة.