استهلَّ الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول إنَّ الصلاة المسيحية، مثل الحياة المسيحية بأسرها، ليست “نزهة”. لم يكن لأي من المصلّين الكبار الذين نجدهم في الكتاب المقدس وفي تاريخ الكنيسة صلاة “مريحة”. من المؤكد أنها تعطي سلامًا كبيرًا، ولكن من خلال صراع داخلي، قاسٍ في بعض الأحيان، يمكنه أن يرافق حتى فترات طويلة من الحياة. إنَّ الصلاة ليست أمرًا سهلاً. وفي كلِّ مرّة نريد فيها أن نصلّي، تتبادر إلى ذهننا على الفور العديد من النشاطات الأخرى، التي تبدو في تلك اللحظة أكثر أهمية وأكثر إلحاحًا. وغالبًا، بعد تأجيلنا للصلاة، ندرك أنَّ تلك الأشياء لم تكن أساسيّة على الإطلاق، وأننا وربما قد أضعنا الوقت. وهكذا يخدعنا العدو.
تابع الأب الأقدس يقول إنَّ جميع رجال ونساء الله لا يشيرون إلى فرح الصلاة فحسب، وإنما أيضًا إلى الإزعاج والإرهاق الذي يمكنها أن تُسببه: في بعض الأوقات قد يكون من الصعب أن نحافظ على أوقات الصلاة وطرقها. لقد قام بعض القديسون بممارستها لسنوات دون أن يشعروا بأي طعم لها وبدون أن يدركوا فائدتها. إنَ الصمت والصلاة والتركيز هي تمارين صعبة، وأحيانًا تتمرّد الطبيعة البشرية أيضًا. ونفضل أن نكون في أي مكان آخر في العالم، ولكن ليس هناك، على مقعد الكنيسة للصلاة. على من يريد أن يصلّي أن يتذكّر أن الإيمان ليس سهلاً، وأحيانًا قد يسير في ظلام حالك بدون نقاط مرجعيّة.
أضاف الحبر الأعظم يقول يُعدّد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية سلسلة طويلة من أعداء الصلاة والعناصر التي تجعل الصلاة صعبة. هناك من يشك في أنه يمكنها أن يصل حقًا إلى الله: لماذا يبقى الله صامتًا؟ إزاء مراوغة الإلهي، يعتقد البعض الآخر أن الصلاة هي مجرد عملية نفسية؛ شيء ربما قد يكون مفيدًا، لكنه ليس حقيقيًّا أو ضروريًا: يمكن للمرء أن يمارسه أيضًا دون أن يكون مؤمنًا. ومع ذلك، فإن أَلدَّ أعداء الصلاة موجودون فينا. يسميهم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية على هذا النحو: “فتور الهمّة أمام ما ينتابنا من يبوسة، والحزن لأننا لا نعطي كل شيء للرب، إذ لدينا “خيرات كثيرة”، وخيبة لعدم الاستجابة لنا بحسب إرادتنا الخاصة، وجرح كبريائنا التي تتأبّى ذُلَّ كوننا خطأة، والحساسية بالنسبة إلى مجانيّة الصلاة” (عدد ٢٧٢٨). من الواضح أن هذه مجرّد قائمة موجزة يمكن تمديدها.
تابع الأب الأقدس يقول ماذا علينا إذًا أن نفعل في زمن التجربة وعندما يبدو أن كل شيء يتزعزع؟ إذا تفحّصنا تاريخ الحياة الروحيّة، نلاحظ على الفور كيف كان لدى معلّمي الروح فهم واضح للوضع الذي وصفناه. للتغلب على ذلك، قدم كل منهم بعض المساهمة: كلمة حكمة، أو اقتراح لمواجهة الأوقات المحفوفة بالصعوبات. إنها ليست مسألة نظريات تم تطويرها من خلال دراسات، بل هي نصائح ولدت من الخبرة وتُظهر أهمية المقاومة والمثابرة في الصلاة.
أضاف الحبر الأعظم يقول سيكون من المثير للاهتمام مراجعة بعض هذه النصائح على الأقل، لأن كل منها يستحق التعمُّق. فعلى سبيل المثال، تشكّل الرياضة الروحية للقديس إغناطيوس دي لويولا كتاب حكمة عظيمة، يُعلِّمنا كيف نرتّب حياتنا، ويجعلنا نفهم أن الدعوة المسيحية هي نضال، وهي قرار بالوقوف تحت راية يسوع المسيح وليس تحت راية الشيطان، في محاولة لفعل الخير حتى عندما يصبح ذلك صعبًا.
تابع الأب الأقدس يقول عند التجربة، من الجيد أن نتذكر أننا لسنا وحدنا، وأن هناك من يسهر علينا ويحمينا. حتى القديس أنطونيوس، مؤسس الحياة الرهبانيّة المسيحية في مصر، واجه لحظات مروعة تحولت فيها الصلاة إلى صراع شاق. يروي كاتب سيرته الذاتية القديس أثناسيوس، أسقف الإسكندرية، أن أحد أسوأ الأحداث التي حصلت للناسك القديس كان في سن الخامسة والثلاثين، وهي مرحلة منتصف العمر وتتضمّن أزمة بالنسبة للكثيرين. كان أنطونيوس يتعذّب بسبب هذه التجربة ولكنه قاوم. وأخيرًا، عندما عادت السماء الصافية، توجّه إلى ربه بنبرة عتاب: “أين كنت؟ لماذا لم تأتِ فورًا لتنتهي آلامي؟”، فأجابه يسوع: “لقد كنت هناك يا أنطونيوس؛ لكني كنت أنتظر لأراك تناضل”.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إنَّ الصلاة هي نضال والرب هو معنا على الدوام: وإذا فشلنا في رؤية حضوره في لحظة من العمى، فسننجح في ذلك في المستقبل. قد يحدث لنا أيضًا أن نكرر العبارة عينها التي قالها يعقوب ذات يوم: “حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هَذَا المَكَانِ وَأَنَا لَم أَعلَم!”. وفي نهاية حياتنا، إذا نظرنا إلى الوراء، فسنتمكّن نحن أيضًا أن نقول: “اعتقدت أنني كنت وحدي، لكن لا، لم أكن كذلك: لقد كان يسوع معي”.
نقلاً عن فاتيكان نيوز
التعليقات مغلقة.