استهلَّ الاب الاقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: تميزت خطوات الكنيسة الأولى في العالم بالصلاة. تعطينا الكتابات الرسولية ورواية كتاب أعمال الرسل صورة كنيسة تسير وتعمل، ولكنها تجد في اجتماعات الصلاة الأساس والدافع للعمل الرسولي. إن صورة جماعة أورشليم الأولى هي نقطة مرجعية لكل خبرة مسيحية أخرى. يكتب القديس لوقا في كتاب أعمال الرسل: “وكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات”.
نجد هنا أربع خصائص أساسية للحياة الكنسية: الإصغاء إلى تعليم الرسل، والحفاظ على الشركة المتبادلة، وكسر الخبز، والصلاة. تذكّرنا هذه الأمور بأن حياة الكنيسة تجد معناها إذا بقيت متحدة بقوة بالمسيح. يشهد الوعظ والتعليم المسيحي على كلمات المعلّم وتصرفاته، ويحافظ البحث الدائم عن الشركة الأخوية من الأنانية والخصوصية. فيما يحقق كسر الخبز سر حضور يسوع في وسطنا: فهو لن يغيب أبدًا، لأنّه يعيش ويسير معنا. وأخيرًا الصلاة التي تشكل فسحة للحوار مع الآب من خلال المسيح بالروح القدس. كل ما ينمو في الكنيسة خارج هذه “الإحداثيات” ليس له أساس. إن الله هو الذي يصنع الكنيسة وليس صخب أعمالنا. وكلمة يسوع هي التي تملأ جهودنا بالمعنى، لأنَّ مستقبل العالم يُبنى بالتواضع.
بقراءتنا لأعمال الرسل، نكتشف عندها كيف أن المحرك القوي للبشارة كانت اجتماعات الصلاة، التي يختبر فيها المشاركون حضور يسوع الحي ويلمسهم الروح القدس. إنَّ أعضاء الجماعة الأولى – وهذا الأمر يصلح اليوم أيضًا بالنسبة لنا – يفهمون أن قصة اللقاء مع يسوع لم تتوقف عند الصعود، بل استمرت في حياتهم. وبالتالي من خلال رواية ما قاله الرب وفعله، وبالصلاة للدخول في شركة معه، يصبح كل شيء حيًّا. إنَّ الصلاة تبعث النور والدفء: وعطيّة الروح تولِّد فيهم الحماسة.
نجد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية تعبيرًا قويًّا: “إنَّ الروح القدس الذي يذكّر كنيسته المصلّية بالمسيح، ويقودها أيضًا إلى الحقيقة الكاملة ويولِّد صيغًا جديدة تعبّر عن سرّ المسيح الذي لا يُسبر غوره، والذي يعمل في حياة الكنيسة وأسرارها ورسالتها” (عدد ٢٦٢٥). هذا هو عمل الروح القدس في الكنيسة: أن يذكِّر بيسوع، ولكن ليس كمجرّد تمرين ذاكري. إن المسيحيين، الذين يسيرون على دروب الرسالة، يتذكرون يسوع فيما يجعلوه حاضرًا مرّة أخرى؛ ومنه، من روحه، ينالون “الدفع” ليذهبوا ويعلنوا ويخدموا. في الصلاة، يغوص المسيحي في سر الله الذي يحب كل إنسان ويرغب في أن يُكرز بالإنجيل للجميع. إنَّ الله هو الله للجميع، وفي يسوع انهار كل جدار فاصل بشكل نهائي: فكما يقول القديس بولس، هو سلامنا، “وقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة” (أفسس ٢، ١٤). وهكذا تتخلل حياة الكنيسة الأولى سلسلة متواصلة من الاحتفالات والدعوات وأوقات الصلاة الجماعيّة والشخصية. والروح هو الذي يمنح القوة للواعظين الذين ينطلقون في رحلتهم، والذين بمحبّة يسوع يعبرون البحار، ويواجهون الأخطار، ويخضعون للإهانات والذل.
وختم البابا تعليمه: إنَّ الله يعطي المحبة ويطلب المحبة. هذه هي الجذور السرّيّة لحياة المؤمنين بأسرها. المسيحيون الأوائل في الصلاة، وإنما نحن أيضًا الذين أتينا بعد عدة قرون، نعيش جميعًا الخبرة عينها. إن الروح القدس هو الذي يحرّك كل شيء. وكل مسيحي لا يخاف من أن يكرّس وقتًا للصلاة يمكنه أن يتبنّى كلمات القديس بولس الرسول: “وإِذا كُنتُ أَحيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفسِه مِن أًجلي” (غلاطية ٢، ٢٠). في صمت العبادة فقط يمكننا أن نختبر الحقيقة الكاملة لهذه الكلمات. علينا أن نستعيد معنى العبادة، لأن صلاة العبادة هي الصلاة التي تجعلنا نعترف بالله كمبدأ ومتمّم التاريخ بأسره؛ وهذه الصلاة هي نار الروح القدس الحية التي تمنح القوة للشهادة والرسالة.
نقلا عن موقع فاتيكان نيوز
التعليقات مغلقة.