أجرى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الأربعاء ١٧ كانون الأول ديسمبر مقابلته العامة مع المؤمنين، وذلك في ساحة القديس بطرس. وفي مواصلته تعليمه حول موضوع “يسوع المسيح رجاؤنا” بدأ اليوم متحدثا عما يميز الحياة البشرية من حركة متواصلة تدفعنا إلى العمل والفعل وتتطلب سرعة في محاولة تحقيق نتائج جيدة في المجالات المختلفة. وتساءل الأب الأقدس كيف تنير قيامة يسوع هذا الجانب من خبرتنا، وحين سنشارك في انتصاره على الموت هل سنستريح؟ وتابع البابا أن الإيمان يخبرنا بأننا سنستريح ولكن لن نكون غير فاعلين، بل سندخل في راحة الله التي هي سلام وفرح. وتساءل مجددا: ولكن هل علينا فقط أن ننتظر أم أن هذا يمكنه أن يغيرنا منذ الآن؟
ثم تحدث عن نشاطات كثيرة تمتصنا ولا يبدو أنها تمنحنا الرضا، وأضاف أن العديد من أفعالنا ترتبط بأمور عملية وأن علينا تحمل مسؤولية أمور كثيرة وحل مشاكل ومواجهة متاعب. وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن يسوع أيضا كان مشاركا مع الأشخاص والحياة بدون إدخار للذات بل واهبا ذاته حتى النهاية. وواصل الأب الأقدس أننا غالبا ما نشعر بأن عمل الكثير وبدلا من أن يمنحنا الامتلاء فإنه يصبح دوامة ترهقنا وتسلبنا السكينة وتَحُول دون أن نعيش بأفضل شكل ما يهم بالفعل في حياتنا. وهكذا نشعر بأنفسنا متعَبين وغير راضين، ويبدو وقتنا وكأنه مشتت في آلاف الأشياء العملية التي لا تحل قضية المعنى النهائي لحياتنا. وتساءل البابا لماذا نشعر بالفراغ في نهاية أيام مليئة بالنشاط، وأجاب: لأننا لسنا آلات، لدينا قلب، بل يمكن القول: نحن قلب.
وتابع متحدثا بالتالي عن القلب فقال إنه رمز حياتنا كلها، ملخص أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا، والمركز غير المرئي لشخصيتنا. وواصل قداسته أن القديس متى الإنجيلي يدعونا إلى التأمل حول أهمية القلب حين نقل إلينا هذه العبارة الجميلة ليسوع: “فحَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قلبُكَ” (متى ٦، ٢١). في القلب إذا يكمن الكنز الحقيقي، لا في خزائن الأرض ولا في الاستثمارات المالية الكبيرة التي أصبحت بشكل غير مسبوق صنما على حساب حياة الملايين من البشر وتدمير خليقة الله.
ثم أراد ا التشديد على أهمية التأمل في هذه الأمور، وذلك لأن في الالتزامات الكثيرة التي نواجهها باستمرار يزداد خطر التشتت وأحيانا اليأس وغياب المعنى حتى لدى أشخاص ناجحين في الظاهر. إن قراءة الحياة في نور الفصح والنظر إليها مع يسوع القائم يعني العثور على المدخل إلى جوهر الشخص البشري، إلى قلبنا. وأشار قداسة البابا إلى تعبير القديس أغسطينوس “القلب القلِق”، وقال إن القديس يجعلنا من خلال هذه الصفة نفهم إندفاع الكائن البشري نحو التحقق الكامل. وعرَّف الأب الأقدس بالعبارة الكاملة التي تتضمن هذا التعبير وهي في بداية اعترافات القديس أغسطينوس حيث يقول للرب إنه قد جعلنا له وأن قلبنا سيظل قلِقا حتى يستريح في الرب.
وواصل أن قلق القلب هو علامة على أن قلبنا لا يتحرك اعتباطيا وبشكل متخبط، بدون هدف أو وجهة، بل هو موجَّه إلى الغاية النهائية، العودة إلى البيت. وأضاف قداسته أن مرفأ القلب الحقيقي لا يكمن في خيور هذا العالم، بل في اتباع ما يمكنه أن يملأ القلب بالكامل، أي محبة الله، أو بالأحرى الله المحبة. إلا أن هذا الكنز، قال الأب الأقدس، يتم العثور عليه فقط بمحبة القريب الذي نلقاه على طريقنا، أخوة وأخوات من لحم ودم يحفز حضورهم قلبنا ويسائله، داعيا إياه إلى الانفتاح وهبة الذات. وقال البابا إن القريب يطلب منك أن تبطئ، أن تنظر إلى عينيه، وأحيانا إلى تغيير البرنامج، وربما أيضا تغيير الاتجاه.
هذا هو سر حركة القلب البشري، العودة إلى ينبوع كينونته، التنعم بفرح لا يغيب، لا يُخيِّب، قال قداسة البابا وأضاف أن لا أحد يمكنه أن يعيش بدون معنى يتجاوز ما هو ملموس وما هو عابر. وتابع أن القلب لا يمكن أن يعيش بدون الرجاء، بدون أن يعلم أنه قد صُنع للملء لا للفراغ.
وفي ختام مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس اليوم الأربعاء ١٧ كانون الأول ديسمبر قال البابا لاوُن الرابع عشر إن يسوع المسيح بتجسده، آلامه، موته وقيامته قد وضع أساسا راسخا لهذا الرجاء. وأضاف قداسته أن القلب القلِق لن يُخيَّب إن انغمس في دينامية المحبة التي خُلق لها. المرسى هو أكيد، فالحياة قد انتصرت، وفي المسيح ستواصل هزيمة كل موت في الواقع اليومي. هذا هو الرجاء المسيحي، فلنبارك دائما ونشكر الرب الذي وهبنا هذا الرجاء، ختم قداسة البابا.
التعليقات مغلقة.