أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس في الفاتيكان، وتابع خلالها سلسلة التعاليم في موضوع الرذائل والفضائل، وتحدث اليوم في تعليمه الأسبوعي عن فضيلة الإيمان قائلا إنها تُسمى مع فضيلتي المحبة والرجاء الفضائل “الإلهية” إذ يمكن عيشها فقط بفضل عطية الله. وأشار إلى أن الفضائل الإلهية الثلاث هي عطايا عظيمة يمنحها الله لقدرتنا الأخلاقية، وبدونها نستطيع أن نكون حكماء وعادلين وأقوياء وقنوعين، ولكن لن تكون لنا عيون ترى حتى في الظلام، ولن يكون لنا قلب يحب حتى عندما لا يكون محبوبًا، ولن يكون لنا رجاء يجرؤ على أن يرجو ولو غاب كل رجاء.
وتوقف عند التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية مشيرا إلى أن الإيمان هو الفِعل الذي يسلِّم به الإنسان ذاته بحرية إلى الله. وأضاف أن بهذا الإيمان كان إبراهيم الأب العظيم. فحين قَبل أن يترك أرض أجداده ليتوجه نحو الأرض التي سيريه اياها الله، ربمّا اعتُبر مجنونًا: فلِم يترك المعروف من أجل المجهول، والأكيد من أجل غير المؤكد؟ غير أن إبراهيم قد انطلق كأنه كان يرى غير المرئي، وهذا أيضا ما سيجعله يصعد إلى الجبل مع ابنه اسحق الذي نجا من الذبيحة في اللحظة الأخيرة فقط. كما وأشار إلى أن موسى كان رجل إيمان، بقي راسخًا في الرب وواثقًا به. وأضاف أن مريم العذراء كانت امرأة إيمان، فإذ تلقّت بشارة الملاك، أجابت” أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ” (لوقا ١، ٣٨). وبقلب مفعم بالإيمان والثقة بالله، انطلقت مريم في طريق لا تعرف مساره. وأضاف أن الإيمان هو الفضيلة التي تكوّن المسيحي، فأن نكون مسيحيين لا يعني قبل كل شيء قبول ثقافة مع القيم التي ترافقها، إنما قبول علاقة والحفاظ عليها: أنا والله، أنا ووجْه يسوع المُحب. وقال البابا فرنسيس: هذه هي العلاقة التي تجعلنا مسيحيين.
وتوقف من ثم في تعليمه الأسبوعي الذي تمحور اليوم الأربعاء حول فضيلة الإيمان عند حادثة في الإنجيل حين كان تلاميذ يسوع يعبرون البحيرة وفاجأتهم العاصفة. فقد ظنّوا أن باستطاعتهم تدبُّر أمرهم بقوة أذرعهم وخبرتهم، غير أن السفينة بدأت تمتلئ بالمياه وخافوا (راجع مرقس ٤، ٣٥ – ٤١). لم يدركوا أن الحل أمام أعينهم: فيسوع معهم على متن السفينة وسط العاصفة، وكان نائمًا. وعندما أيقظوه خائفين وغاضبين، وبّخهم قائلا “ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟” (مرقس ٤، ٤٠).
الخوف هو العدو الأكبر للإيمان، قال البابا فرنسيس، ولذا فالإيمان هو العطية الأولى التي ينبغي قبولها في الحياة المسيحية، عطية ينبغي قبولها وطلبها كل يوم كي تتجدد فينا. إنها العطية الأساسية. وشدد الأب الأقدس بالتالي على أن عطية الإيمان هي العطية التي ينبغي أن يطلبها الوالدون للأبناء. فمع الإيمان يعلمون أنه حتى وسط محن الحياة، لن يغرق الأبناء في الخوف. وكما يقول بولس الرسول إن الإيمان ليس من نصيب جميع الناس (راجع ٢ تسالونيقي ٣، ٢)، وحتى نحن المؤمنين غالبًا ما ندرك أن لدينا القليل منه. ويوبّخنا يسوع غالبا كما فعل مع تلاميذه لأننا “قليلو الإيمان”.
وفي ختام مقابلته العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء في قاعة بولس السادس في الفاتيكان، قال البابا فرنسيس من عنده الإيمان توجد فيه قوة ليست بشرية فقط، فالإيمان “يحرّك” النعمة فينا ويفتح العقل على سر الله. وكما قال يسوع “إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم” (لوقا ١٧، ٦). ولذا فنحن أيضا نكرر كما التلاميذ “يا رب، زِدْنا ايمانًا” (راجع لوقا ١٧، ٥).
التعليقات مغلقة.