القراءة الأولى: (العدد 10/ 29-11/ 10)
وقالَ موسى لِحوبابَ بنِ رَعوئيلَ المِديَنيِّ، حَمي موسى: ((إِنَّنا راحِلونَ إلى المَكانِ الَّذي قال الرَّبَّ إِنَّه يُعْطينا إِيَّاه. فتَعالَ مَعنا، نُحْسِنْ إِلَيكَ، فإِنَّ الرَّبَّ قد وَعَدَ إِسْرائيلَ خَيرًا)). فقالَ لَه: ((لا أَذهَب، إِنَّما أَذهَبُ إلى أرضي وعَشيرَتي)). قال: ((لا تَترُكْنا، فإِنَّكَ تَعلَمُ أَينَ نخَيمُ في البَرِّيَّة، فتَكون لَنا كالعُيون. وإِن سِرتَ معَنا، فما يُحسِنِ الرَّب بِه إِلَينا مِن خَيرٍ نحسِنْ بِه إِلَيك)). فرَحَلوا مِن جَبَلِ الرَّبَ مسيرةَ ثَلاثةِ أَيَّام، وتابوتُ عَهدِ الرَّبِّ سائرٌ أَمامَهم مَسيرةَ ثَلاثَةِ أَيَّام، لِيَبحَثَ لَهم عَن مَكانِ استِراحة، وغَمامُ الرَّبِّ فَوقَهم نارًا عِندَ رَحيلهم مِنَ المُخيَم. وكانَ موسى، عِندَ رَحيلِ التَّابوتِ، يَقول: ((قُمْ يا رَبُّ، فيَتَبَدَّدَ أَعداؤُكَ ويَهربَ مُبغِضوكَ مِن أَمامَ وَجهِكَ)). وعِندَ حَطِّ التَّابوتِ يَقول: ((عُدْ يا رَبُّ إلى رِبْواتِ أُلوفِ إِسْرائيل)). وكانَ الشَّعب كالمُتَذَمِّرينَ بِخُبثٍ على مسامِعِ الرَّبّ. فسَمِعَ الرَّب وغَضِبَ، فاشتَعَلَت فيهم نارُ الرَّبِّ وأَكَلَت طَرَفَ المُخيم. فصَرَخَ الشَّعبُ إلى موسى، فصَلَّى موسى إلى الرَّبّ، فَخَمَدَتِ النَّار. فسُمِّيَ ذلِكَ المَكانُ ((تَبْعيرة))، لأَنَّها اشتَعَلَت علَيهم نارُ الرَّبّ. واشتَهى الخَليطُ الذي فيما بَينَهم شَهوَةً، وعادَ بَنو إِسْرائيلَ أَنفُسُهم إلى البُكاءِ وقالوا: ((مَن يُطعِمُنا لَحْمًا؟ فإِنَّنا نذكر السَّمَكَ الَّذي كُنَّا نأكُلُه في مِصرَ مَجَّانًا والقِثَّاءَ والبِطِّيخَ والكُرَّاثَ والبَصَلَ والثَّوم. والآنَ فأَحْلاقنا جافَّة، ولا شَيءَ أَمامَ عُيوننا غَيرَ المَنّ)). وكانَ المَنُّ كبِزْرِ الكُزبُرَة، ومَنظَره مَنظَرُ المُقْل. وكانَ الشَّعبُ يَتَفرقُ فيَلتَقِطُه ويَطحَنُه بِالرَّحى أَو يَدُقُّه في الهاوَن ويَطبُخُه في القِدْرِ وِيَصنَعُه فَطائِر، وكانَ طَعْمُه كَطَعْمِ قطائِفَ بِزيت. وكانَ عِندَ نُزولِ النَّدى على المُخيمِ لَيلاً يَنزِلُ المَن علَيه. فلَمَّا سَمِعَ موسى الشَّعبَ يَبْكونَ كُل واحِدٍ في عَشيرَتِه وعلى بابِ خَيمَتِه، وقد غَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا، ساءَ ذلك موسى.
القراءة الثانية: (إشعيا 45/ 1-17)
هكذا قالَ الرَّبّ لِمَسيحِه: لقُورُشَ الَّذي أَخَذتُ بِيَمينِه لِأُخضِعَ الأُمَمَ بَينَ يَدَيه وأَحُلَّ أَحْقاءَ المُلوك لِأَفتَحَ أَمامَه المَصاريع ولا تُغلَقَ الأَبْواب. إِنِّي أَسيرُ قُدَّامَك فأَقَوِّمُ المُعوَجّ وأُحَطِّمُ مَصاريعَ النُّحاس وأُكَسِّر مَغاليقَ الحَديد وأُعْطيكَ كُنوزَ الظُّلمَةِ ودَفائِنَ المَخابِئ لِتَعلَمَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ الَّذي دَعاكَ بِاسمِكَ، إِلهُ إِسْرائيل. لِأَجلِ عَبْدي يَعْقوب واسرائيل مُخْتاري دَعَوتُكَ بِاسمِكَ ولَقَّبتُكَ وأَنتَ لم تَعرِفنْي. أَنا الرَّبُّ ولَيسَ مِن رَبٍّ آخَر لَيسَ مِن دوني إِله. شَدَدتُكَ بِزُنَّار وأَنتَ لم تَعرِفْني لِكَي يَعلَموا مِن مَشَرِقِ الشَّمسِ ومِن مَغرِبِها أَنَّه لَيسَ غَيري أَنا الرَّبّ ولَيسَ مِن رَبٍّ آخَر. أَنا مُبدِعُ النُّورِ وخالِقُ الظَّلام وصانِعُ الهَناءَ وخالِقُ الشَّقاء أَنا الرَّبُّ صانِعُ هذه كُلِّها. أُقطُري أَيَّتُها السَّمواتُ مِن فَوق ولْتُمطِرِ الغُيومُ البِرّ لِتَنفَتِحِ الأَرض وليُبَرعِمِ الخَلاص ولْيَنبُتِ البِرُّ أَيضاً. أَنا الرَبُّ خَلَقتُ ذلك. وَيل لِمَن يُخاصِمُ جابِلَه وهو خَزَفَةٌ مِن خزفِ الأَرض. أَيَقولُ الطِّينُ لِجابِلِه: ((ماذا تَصنعَ أَو عَمَلُكَ لَيسَ لَه يَدان؟)) وَيلٌ لِمَن يَقولُ لِأَبٍ: ((ماذا تَلِد؟)) ولِامرَأَةٍ: ((ماذا تَضَعين؟)) هكذا قالَ الرَّبّ قُدُّوسُ إِسْرائيلَ وجابِلُه: إِسأَلوني عَمَّا سَيَأتي أَمَّا بَنِيَّ وعَمَلُ يَدَيَّ أفتُراكم توصوننيَ في أَمرِهم؟ أَنا صَنَعتُ الأَرض وخَلَقتُ البَشَرَ علَيها. يَدايَ بَسَطَتا السَّموات وأَنا أَمَرتُ جَميعَ قوَاتِها. أَنا أَقَمته لِلبرّ وسأُقَوِّمُ جَميعَ طُرُقِه هو يَبْني مَدينتي وُيطلِقُ مَجلُوِّيَّ بلا ثَمَنٍ ولا رَشوَة، قالَ رَبُّ القُوَّات. هكذا قالَ الرَّبّ: سَعيُ مِصرَ وتِجارةُ كوش وأَهلُ سبَأَ الطِّوالُ القامة يَعبُرونَ إِلَيكَ ويَكونونَ لَكَ. يَسيرونَ وَراءَك وَيعبُرونَ بِالقُيود وَيرتَمونَ أَمامَكَ ويَتَضَرَّعونَ إِلَيكَ قائِلين: إِنَّما اللهُ فيكَ ولَيسَ مِن إِلهٍ آخَر، والآلِهَةُ عَدَم. إِنَّكَ لَإِلهٌ مُحتَجب يا إِلهَ إِسرائيلَ الَمُخَلِّص. لقد خَزَوا وخَجِلوا كُلُّهم مَعاً ذَهَبَ صُنَّاعُ الأَصْنامِ بِالخَجَل. أَمَّا إِسْرائيلُ فيُخلَصُ بِالرَّبِّ خَلاصاً أَبَدِيّاً إِنَّكم لا تَخزَونَ ولا تَخجَلون إِلى أَبَدِ الدُّهور
الرسالة: (عبرانيين 3/ 1 -4/ 7)
لِذلِك، أَيُّها الإخوَةُ القِدِّيسونَ المُشتَرِكونَ في دَعْوةٍ سمَاوِيَّة، تَأَمَّلوا رَسولَ شَهادَتِنا وعَظيمَ كَهَنَتِها يَسوع، فهو مُؤتَمَنٌ لِلَّذي أَقامَه كَما ((كانَ شَأنُ موسى في بَيتِه أَجمع)). فإِنَّ المَجْدَ الَّذي كانَ أَهْلاً لَه يَفوقُ مَجدَ موسى بِمِقْدارِ ما لِباني البَيتِ مِن فَضْلٍ على البَيت. فكُلُّ بَيتٍ لَه بانٍ، وباني كُلِّ شَيءٍ هو الله. وقَد ((كانَ موسى مُؤتَمَنًا في بَيته أَجمَع)) لِكَونِه قَيِّمًا يَشهَدُ على ما سَوفَ يُقال. أَمَّا المسيح فهو مُؤتَمَنٌ على بَيتِه لِكَونِه ابنًا، ونَحنُ بَيتُه، إِنِ احتَفَظْنا بِالثِّقَةِ وفَخْرِ الرَّجاء. لِذلِك، كَما يَقولُ الرُّوحُ القُدُس: ((اليَومَ، إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كَما حَدَثَ عِندَ السُّخْطِ يَومَ التَّجرِبَةِ في البَرِّيَّة، حَيثُ جَرَّبَني آباؤُكم واختَبَروني فرَأَوا أَعمالي مُدَّةَ أَربَعينَ سَنَة. لِذلِك استَشَطتُ غَضَبًا على ذاكَ الجيلِ وقُلْت: قُلوبُهم في الضَّلالِ أَبدًا ولَم يَعرِفوا هم سُبُلي، فأَقسَمتُ في غَضَبي أَن لن يَدخُلوا راحَتي)). إِحذَروا، أَيُّها الإِخوَة، أَن يَكونَ لأَحَدِكم قَلْبٌ شِرِّيرٌ ترُدُّه قِلَّةُ إِيمانِه عنِ اللهِ الحَيّ. ولكِن لِيُشَدِّدْ بَعضُكم بَعضًا كُلَّ يَوم، ما دامَ إِعلانُ هذا اليَوم، لِئَلاَّ يَقسُوَ أَحَدُكم بِخَديعَةٍ مِنَ الخَطيئَة. فقَد صِرْنا شُرَكاءَ المسيح، إِذا احتَفَظْنا بِالثِّقَةِ الَّتي كُنَّا علَيها في البَدْء ثابِتَةً إِلى النِّهاية، فلا نَدَعُها تَتَزَعزَع ما دامَ يُقال: ((اليَومَ، إِذا سَمِعتُم صَوتَه, فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كما حَدَثَ عِندَ السُّخْط)). فمَن همُ الَّذينَ أَسخَطوه بَعدَما سَمِعوه؟ أَما هُم جَميعُ الَّذينَ خَرَجوا مِن مِصْرَ عن يدِ موسى؟ فعَلى مَنِ ((استَشاطَ غَضَبًا أَربَعينَ سَنَة؟)) أَلَيسَ على الَّذينَ خَطِئُوا فسَقَطَتْ جُثَثُهم في البَرِّيَّة؟ ولِمَن ((أَقسَمَ أَن لن يَدخُلوا راحَتَه؟)) أَلَيسَ لِلَّذينَ عَصَوه؟ ونَرى أَنَّهم لم يَستَطيعوا الدُّخولَ لِقِلَّةِ إِيمانِهم. فَلْنَخْشَ إِذًا أَن يَثبُتَ على أَحَدِكُم أَنَّه مُتَأَخِّر، ما دامَ هُناكَ مَوعِد الدُّخولِ في راحَتِه. فقَد بُشِّرْنا بِه نَحنُ أَيضًا كما بُشِّرَ بِه أُولئِكَ، ولكِنَّهم لم يَنتَفِعوا بالكَلِمَةِ الَّتي سَمِعوها، لأَنَّهم لم يَتَّحِدوا في الإِيمانِ بِالَّذينَ كانوا يَسمَعون. فإِنَّنا نَحنُ المُؤمِنينَ نَدخُلُ الرَّاحَة، على ما قال: ((فأَقسَمتُ في غَضَبي أَن لن يَدخُلوا راحَتي)). أَجَل، إِنَّ أَعمالَه قد تَمَّت مُنْذُ إِنْشاءِ العالَم. فقَد قالَ في مَكانٍ مِنَ الكِتابِ في شأنِ اليَومِ السَّابع: ((واستَراحَ اللهُ في اليَومِ السَّابعَ مِن جَميعِ أَعمالِه)). وقالَ أَيضًا في المَكانِ نَفْسِه: ((لن يَدخُلوا راحَتي)). ولَمَّا ثَبُتَ أَنَّ بَعضَهم يَدخُلوَنها، والَّذينَ بُشِّروا بِها أَوَّلا لم يَدخُلوا بِسَبَبِ عِصْيانِهِم، فإِنَّ اللهَ عادَ إِلى تَوقيتِ يَومٍ هو ((اليَوم)) في قَولِه بلِسانِ داوُد، بَعدَ زَمَنٍ طَويل، ما تَقَدَّمَ ذِكرُه: ((اليَوم، إِذا سَمِعتُم صَوتَه، فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم)).
الإنجيل: (يوحنا 1/1-28)
في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله. بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان. فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات. ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ الله اِسْمُه يوحَنَّا جاءَ شاهِداً لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور. كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ. جاءَ إِلى بَيتِه فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله: فهُمُ الَّذينَ لا مِن دَمٍ ولا مِن رَغبَةِ لَحْمٍ ولا مِن رَغبَةِ رَجُل بل مِنَ اللهِ وُلِدوا. والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ. شَهِدَ له يوحَنَّا فهَتف: ((هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي)). فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة. لأَنَّ الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح. إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه.
التعليقات مغلقة.