أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول لقد عدت من منغوليا يوم الاثنين. وأود أن أعرب عن امتناني لجميع الذين رافقوا زيارتي بالصلوات وأن أجدد امتناني للسلطات التي استقبلتني رسميًا، وللكنيسة المحلية والشعب المنغولي: شعب نبيل وحكيم أظهر لي الكثير من الود والحب. واليوم يطيب لي أن أحملكم إلى قلب هذه الزيارة.
تابع يقول قد يتساءل البعض: لماذا يذهب البابا إلى هذا الحد لكي يزور قطيعًا صغيرًا من المؤمنين؟ لأن هناك، بعيدًا عن الأضواء، غالبًا ما نجد علامات حضور الله الذي لا ينظر إلى المظاهر، بل إلى القلب. إنَّ الرب لا يبحث عن مركز المسرح، وإنما عن القلب البسيط للشخص الذي يرغب فيه ويحبه بدون مظاهر، وبدون أن يريد أن يتعالى على الآخرين. وقد حظيت بنعمة أن ألتقي في منغوليا بكنيسة متواضعة وسعيدة، وهي في قلب الله، ويمكنني أن أشهد لكم عن فرحهم لكونهم وجدوا أنفسهم لبضعة أيام أيضًا في قلب الكنيسة.
أضاف يقول هذه الجماعة لديه تاريخ مؤثر. لقد نشأت بنعمة الله من الغيرة الرسولية – التي نتأمل فيها في هذه الفترة – لبعض المرسلين الذين، وإذ كانوا يتحلّون بشغف للإنجيل، ذهبوا لثلاثين سنة خلت إلى تلك البلاد التي لم يكونوا يعرفوها. لقد تعلموا لغتها، وعلى الرغم من قدومهم من دول مختلفة، فقد أعطوا الحياة لجماعة كاثوليكية موحدة وحقيقية. وهذا هو بالفعل معنى كلمة “كاثوليكية” التي تعني “الشموليّة”. لكن الأمر لا يتعلق بشموليّة متجانسة، وإنما بشموليّة تعرف كيف تنثقِف. هذه هي الكاثوليكية: شموليّة متجسدة، ترى الخير حيث تعيش وتخدم الأشخاص الذين تعيش معهم. هكذا تعيش الكنيسة: من خلال الشهادة لمحبة يسوع بوداعة، من خلال الحياة قبل الكلمات، وسعيدة بغناها الحقيقي: خدمة الرب والإخوة.
تابع الحبر الأعظم يقول وهكذا ولدت تلك الكنيسة الفتية: في أعقاب المحبة، التي هي أفضل شهادة للإيمان. وفي نهاية زيارتي، سعدت بمباركة وافتتاح “بيت الرحمة”، أول عمل خيري يقوم في منغوليا كتعبير عن جميع مكونات الكنيسة المحلية. بيت هو بطاقة دعوة لهؤلاء المسيحيين، ولكنه يدعو أيضًا كل جماعة من جماعاتنا لكي تكون بيت رحمة: مكان مفتوح ومضياف، حيث يمكن لبؤس كل واحد أن يتواصل دون خجل مع رحمة الله التي ترفعنا وتشفينا. هذه هي شهادة الكنيسة المنغولية، مع مرسلين من بلدان مختلفة يشعرون بأنهم واحد مع الشعب، ويسعدون بخدمته واكتشاف الجمال الحاضر فيه.
أضاف الأب الأقدس يقول لقد تمكنت انا أيضًا من اكتشاف القليل من هذا الجمال، وذلك أيضًا من خلال التعرف على بعض الأشخاص، والاصغاء إلى قصصهم، وتقدير بحثهم الديني. بهذا المعنى، أنا ممتن للقاء بين الأديان والمسكوني الذي عُقد يوم الأحد. تتمتع منغوليا بتقاليد بوذية عظيمة، حيث يعيش العديد من الأشخاص تديُّنهم في الصمت وبأسلوب صادق وجذري، من خلال الإيثار ومحاربة الأهواء. لنفكر في الكمِّ من بذور الخير التي تجعل حديقة العالم تُزهر في الخفاء، بينما لا نسمع عادة أحاديثًا إلا عن ضجّة الأشجار التي تسقط! من الأهمية بمكان أن نعرف كيف نتنبّه للخير ونعرفه. ولكننا غالبًا ما نقدر الآخرين فقط في المقياس الذي يتوافقون فيه مع أفكارنا. لذلك، من المهم، كما يفعل الشعب المنغولي، أن نوجه أنظارنا نحو العُلى، نحو نور الخير. وبهذه الطريقة فقط، وانطلاقًا من الاعتراف بالخير، يمكننا أن نبني المستقبل المشترك؛ ومن خلال تقدير الآخر فقط يمكننا أن نساعده على التحسن.
وختم تعليمه الأسبوعي بالقول لقد كنت في قلب آسيا وهذا الأمر قد أفادني. من المفيد أن ندخل في حوار مع تلك القارة العظيمة، لكي نفهم رسائلها، ونتعرّف على حكمتها، وأسلوبها في النظر إلى الأشياء، وفي معانقة الزمان والمكان. لقد كان من الجيد بالنسبة لي أن ألتقي بالشعب المنغولي، الذي يحافظ على الجذور والتقاليد، ويحترم المسنين ويعيش في انسجام وتناغم مع البيئة: إنه شعب يتفحّصُ السماء ويشعر بنَفَسِ الخليقة. وإذ نفكِّر في مساحات منغوليا اللامحدودة والصامتة، لنسمح بأن تُحفِّزنا الحاجة إلى توسيع حدود نظرتنا، لكي تتمكّن من أن نرى الخير الموجود في الآخرين ونكون قادرين على توسيع آفاقنا، وكذلك على توسيع قلوبنا لكي نكون قريبين من كل شخص ومن كلِّ حضارة.
التعليقات مغلقة.