القراءة الأولى: (يوئيل 2/ 15-27)
أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وأَوصوا بصَومٍ مُقَدَّس ونادوا بِاحتِفال. إِجمَعوا الشَّعبَ وقَدِّسوا الجَماعَة واجمَعوا الشُّيوخ واجمَعوا الأطفالَ وراضِعي الأَثْداء ولْيَخرُجِ العَريسُ مِن مُخدَعِه والعَروسُ مِن خِدرِها. بَينَ الرِّواقِ والمَذبَح لِيَبْكِ الكَهَنَةُ خُدَّامُ الرَّبّ ولْيَقولوا: (( أَشفِقْ يا ربُّ على شَعبِكَ ولا تَجعَلْ ميراثَكَ عاراً فتَسخَرُ مِنهُمُ الأُمَم لِماذا يُقالُ في الشُّعوبِ: أَينَ إِلهُهم )). لقَد غارَ الرَّبُّ على أَرضِه وأَشفَقَ على شَعبِه. وأَجابَ الرَّبُّ وقالَ لِشَعبِه: ((هاءَنَذا مُرسِلٌ إِلَيكُم القَمحَ والنَّبيذَ والزَّيت فتَشبَعون مِنها ولا أَجعَلُكم بَعدَ اليَوم عاراً في الأُمَم بل أُبعِدُ الشمَّالِيَّ عنكم وأَدحَرُه إِلى أَرضٍ قاحِلَةٍ مُقفِرَة ومُقَدَّمَتُه إِلى بَحرِ الشَّرْق ومؤَخَّرتُه إِلى بَحرِ الغَرْب فيَصعَدُ نَتنُه ورائِحَتُه الخَبيثَة (لِأَنَّه قد تَعاظَمَ في عَمَلِه). لا تَخافي أَيَّتُها الأَرض بلِ افرَحي وابتَهِجي فإِنَّ الرَّبَّ قد تَعاظَمَ في عَمَلِه. لا تَخافي يا بَهائِمَ الحقول فإِنَّ مَراعِيَ البَرِّيَّةِ قدِ اخضَرَّت والشَّجَرَ حَمَلَ ثَمَرَه والتِّينَةَ والكَرمَةَ أعطيَتا ثَروَتَهما يا بَني صِهيونَ افرَحوا وابتَهِجوا بِالرَّبِّ إِلهِكم لِأَنَّه أَعْطاكم مَطَرَ الخَريفِ لِأَجْلِ البِرّ وأَنزَلَ لَكمُ المَطَر مَطَرَ الخَريفِ ومَطَرَ الرَّبيع كما في الشَّهرِ الأول. فستَمتَلِئُ البَيادِرُ قَمْحاً وتَفيضُ المَعاصِرُ نَبيذاً وزَيتاً وأُعَوِّضُكمُ السِّنينَ الَّني التَهَمَها الجَراد واللاَّحِسُ والقاضِمُ والقارِض جَيشِيَ العَظيمُ الَّذي أَرسَلتُه علَيكم فتأكُلونَ أَكلاً وتَشبَعون وتُسَبَحونَ اسمَ الرَّبِّ إِلهِكم الَّذي صَنَعَ العَجائِبَ لَكم (ولا يَخْزى شَعْبي لِلأَبَد). فتَعلَمونَ أَنِّي في وَسْطِ إِسْرائيل وأَنِّي أَنا الرَّبُّ إِلهُكم ولَيسَ هُناكَ غَيري ولا يَخْزى شَعْبي لِلأبَد.
القراءة الثانية: (يونان 3/ 1 – 4/ 11)
وكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى يونانَ ثانِيَةً قائِلاً: ((قُمِ انطَلِقْ إِلى نينَوى المَدينةِ العَظيمة، ونادِ علَيها المُناداةَ الَّتي أُكَلِّمكَ بِها)). فقامَ يونانُ وانطَلَقَ إِلى نينَوى بِحَسَبِ كَلِمَةِ الرَّبّ، وكانَت نينَوى مَدينَةً عظيمةً جِدّاً، يَقتَضي اجتِياُزها ثَلاثَةَ أَيَّام. فدَخَلَ يونانُ أوَّلاً إِلى المَدينةِ مَسيرَةَ يَومٍ واحِد، ونادى وقال: ((بَعدَ أَربَعينَ يَوماً تنقَلِبُ نينَوى)). فآمَنَ أَهلُ نينَوى بِالله، ونادَوا بِصَوم ولَبِسوا مُسوحاً مِن كَبيرِهم إِلى صَغيرِهم. وبَلَغَ الخَبَرُ مَلِكَ نينَوى، فقامَ عن عَرشِه، وأَلْقى عنه رِداءَه والتَفَّ بِمِسْح وجَلَسَ على الرَّماد. وأَمَرَ أَن يُنادى ويُقالَ في نينَوى بِقَرارِ المَلِكِ وعُظَمائِه: ((لا يَذُقْ بَشَرٌ ولا بَهيمةٌ ولا بَقَرٌ ولا غَنَمٌ شَيئاً، ولا تَرْعَ ولا تَشرَبْ ماءً، ولْيَلتَفَّ البَشَرُ والبَهائِمُ بِمُسوح، ولْيَدْعوا إِلى اللهِ بِشِدَّة، ولْيَرجِعْ كُلُّ واحِدٍ عن طَريقِه الشَّرِّيرِ وعنِ العُنفِ الَّذي بِأَيديهم، لَعَلَّ اللهَ يَرجِعُ ويَندَمُ ويَرجِعُ عن اضطِرام غَضَبِه، فلا نَهلِك)). فرَأَى اللهُ أَعْمالَهم وأًنَّهم رَجَعوا عن طَريقِهم الشَّرِّير. فنَدِمَ اللهُ على الشَّرِّ الَّذي قالَ إِنَّه يَصنعُه بِهم، ولم يَصنَعْه. فساءَ الأَمرُ يونانَ مَساءَةً شَديدَةً وغَضِب. وصَلَّى إلى الرَّبِّ وقال: ((أَيُّها الرَّبّ، أَلَم يَكُنْ هذا كَلامي وأَنا في أَرْضي؟ ولِذلك بادَرتُ إِلى الهَرَبِ إِلى تَرْشيش، فإِنِّي عَلِمتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ رَحيمٌ طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الرَّحمَةِ ونادمٌ على الشَّرّ. فالآن، أَيُّها الرَّبّ، خُذْ نَفْسي مِني، فإِنَّه خَيرٌ لي أَن أَموتَ مِن أَن أَحْيا)). فقالَ الرَّبّ: ((أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ؟)) وخرجَ يونانُ مِنَ المَدينَةِ وجَلَسَ شَرقِيَّ المَدينة، وصَنَعَ لَه هُناكَ كوخاً وجَلَسَ تَحتَه في الظِّلّ، رَيثَما يَرى ماذا يُصيبُ المَدينَة. فأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ خِروَعَةً فارتَفَعَت فوقَ يونان، لِيَكونَ على رَأسِه ظِلٌّ فيُنقِذَه مِنَ الضَّرر، ففَرِحَ يونانُ بِالخِروَعَةِ فَرَحاً عَظيماً. ثُمَّ أَعَدَّ اللهُ دودَةً عِندَ طُلوعِ الفَجرِ في الغَد، ولَسَعَتِ الخِروَعَةَ فيَبِسَت. فلَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمسُ أعَدَّ اللهُ ريحاً شَرقِيَّةً حارَّة، فضَرَبَتِ الشَّمسُ علىِ رَأسِ يونان، فأُغمِيَ علَيه، فتَمَنَّى المَوت لِنَفسِه وقال: ((خَيرٌ لي أَن أَموتَ مِن أَن أَحْيا)). فقالَ اللهُ لِيونان: ((أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ بِسَبَبِ الخِروَعَة؟)) فقال: ((بِحَقٍّ غَضَبي حتَّى المَوت)). فقالَ الرَّبّ: ((لقَد أَشفَقتَ أَنتَ على الخِروَعَةِ الَّتي لم تَتعَبْ فيها ولِم تُرَبِّها، والَّتي نَبَتَت بنتَ لَيلَة، ثُمَّ هَلَكَت بِنت لَيلَة، أَفَلا أُشفِقُ أًنا على نينَوى المَدينةِ العَظيمةِ الَّتي فيها أَكثَرُ مِنِ اثنَتَي عَشرَةَ رِبْوةً مِن أُناسٍ لا يَعرِفونَ يَمينَهم من شِمالِهم، ما عدا بَهائِمَ كَثيرة؟)).
الرسالة: (روما 9/ 14 – 33)
فماذا نَقول؟ أَيَكونُ عِندَ اللّهِ ظُلْم؟ حاشَ لَه! فقَد قالَ لِموسى: ((أَرحَمُ مَن أَرحَم وأَرأَفُ بِمَن أَرأَف)). فلَيسَ الأَمرُ إِذًا أَمرَ إِرادَةٍ أَوسَعيٍ، بل هو أَمرُ رَحمَةِ اللّه. فقَد قالَ الكِتابُ لِفِرعَون: ((ما أَقَمتُكَ إِلاَّ لأُظهِرَ فيكَ قُدرَتي وُينادى بِاسْمي في الأَرضِ كُلِّها)). فهو إِذًا يَرحَمُ مَن يَشاء وُيقَسِّي قَلْبَ مَن يَشاء . ولا شَكَّ أَنَّكَ تَقولُ لي: ((فماذا يَشْكو بَعدَ ذلك؟ مَن تُراهُ يُقاوِمُ مَشيئَتَه؟)) مَن أَنتَ أَيُّها الإِنسانُ حتَّى تَعتَرِضَ على الله؟ أَيَقولُ الصُّنْعُ لِلصَّانِع: لِمَ صَنَعتَني هكذا أَلَيسَ الخَزَّافُ سَيِّدَ طيِنه، فيَصنَعُ مِن جَبْلَةٍ واحِدَةٍ إِناءً شَريفَ الاِستِعمال وإِناءً آخَرَ خَسيسَ الاِستِعمال؟ فإِذا شاءَ اللهُ أَن يُظهِرَ غَضَبَه وُيخبِرَ عن قُدرَتِه فأحتَملَ بِصَبْرٍ عَظيمٍ وآنِيَةَ الغَضَب، وهي وَشيكةُ الهَلاك، ومُرادُه أَن يُخبِرَ عن سَعَةِ مَجْدِه في آنِيَةِ الرَّحمَةِ الَّتي سَبَقَ أَن أَعَدَّها لِلمَجْد، أَي فينا نَحنُ الَّذينَ دَعاهم، لا مِن بَينِ اليَهودِ وَحْدَهم، بل مِن بَينِ الوَثنِيِّينَ أَيضًا. فقَد قالَ في سِفْرِ هُوشعَ: ((مَن لم يَكُنْ شَعْبي سأَدْعوهُ شَعْبي، ومَن لم تَكُنْ مَحبوبَتي سَأَدْعوها مَحبوبَتي، وحَيثُ قيلَ لَهم: لَستُم بِشَعْبي، سيُدعَونَ أَبناءَ اللهِ الحَيّ)). ويَهتِفُ أَشَعْيا كذلِك في كَلامِه على إِسرائيل: ((وإِن كانَ بَنو إِسرائيلَ عَدَدَ رَمْلِ البَحْر، فالبَقِيَّةُ وَحْدَها تَنالُ الخَلاص، فإِنَّ الرَّبَّ سَيُتِمُّ كَلِمَتَه في الأَرضِ إِتمامًا كامِلاً سَريعًا)). وبِذلِكَ أَيضًا أَنبَأَ إشَعْيا فقال: ((لو لم يَحفَظْ رَبُّ القُوَّاتِ لَنا نَسلاً، لَصِرْنا أَمثالَ سَدومَ وأَشباهَ عَمورَة)). فماذا نَقول؟ نَقولُ إِنَّ الوَثنِيِّينَ الَّذينَ لم يَسعَوا إلى البِرِّ قد نالوا البِرَّ الَّذي يَأتِي مِنَ الإِيمان، في حينِ أَنَّ إِسرائيلَ الَّذي كانَ يَسْعى إلى شَريعةِ بِرٍّ لم يُدرِكْ هذه الشَّريعة. ولِماذا؟ لأَنَّه لم يَنتَظِرِ البِرَّ مِنَ الإِيمان، بل ظَنَّ إِدْراكَه بِالأَعمال، فصَدَمَ حَجَرَ صَدْم، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: ((هاءَنَذا واضِعٌ في صِهيُونَ حَجَرًا لِلصَّدمِ وصَخْرَةً لِلعِثار، فمَن آمَنَ بِه لا يُخْزى)).
الإنجيل: (متى 6/ 1-18)
((إِيَّاُكم أَن تَعمَلوا بِرَّكم بِمَرأًى مِنَ النَّاس لِكَي يَنظُروا إِليكم، فلا يكونَ لكُم أَجرٌ عندَ أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات. فإِذا تَصدَّقْتَ فلا يُنْفَخْ أَمامَكَ في البوق، كما يَفعَلُ المُراؤونَ في المجَامِعِ والشَّوارِع لِيُعَظِّمَ النَّاسُ شَأنَهم. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخذوا أَجرَهم. أَمَّا أَنتَ، فإِذا تصَدَّقْتَ، فلا تَعلَمْ شِمالُكَ ما تَفعَلُ يَمينُكَ، لِتكونَ صَدَقَتُكَ في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. ((وإِذا صَلَّيْتُم، فلا تَكونوا كالمُرائين، فإِنَّهُم يُحِبُّونَ الصَّلاةَ قائمينَ في المَجامِعِ ومُلْتَقى الشَّوارِع، لِيَراهُمُ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخَذوا أَجْرَهم. أَمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فادخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك. وإِذا صلَّيْتُم فلا تُكَرِّروا الكلامَ عَبَثاً مِثْلَ الوَثَنِيِّين، فهُم يَظُنُّونَ أَنَّهُم إِذا أَكثَروا الكلامَ يُستَجابُ لهُم. فلا تتَشَبَّهوا بِهِم، لأَنَّ أَباكُم يَعلَمُ ما تَحتاجونَ إِلَيه قبلَ أَن تَسأَلوه. ((فَصَلُّوا أَنتُم هذِه الصَّلاة: أَبانا الَّذي في السَّمَوات لِيُقَدَّسِ اسمُكَ لِيَأتِ مَلَكوتُكَ لِيَكُنْ ما تَشاء في الأَرْضِ كما في السَّماء. أُرْزُقْنا اليومَ خُبْزَ يَومِنا وأَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضاً مَن لنا عَلَيه ولا تُعرَّضُنا لِلتَّجربة بل نَجِّنا مِنَ الشِّرِّير فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم. ((وإِذا صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين، فإِنَّهم يُكلِّحونَ وُجوهَهُم، لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهم صائمون. الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّهم أَخذوا أَجَرهم. أَمَّا أَنتَ، فإِذا صُمتَ، فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ، لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم، بل لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك.
التعليقات مغلقة.