أجرى البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين وذلك في قاعة بولس السادس في الفاتيكان. وبدأ قداسته تعليمه الأسبوعي مذكرا بالتأمل الأسبوع الماضي في يسوع كنموذج للإعلان وحول قلبه الرعوي المنفتح دائما للآخرين، واليوم يواصل متحدثا عن يسوع كمعلم للإعلان. وبدأ تأمله عائدا إلى تبشير يسوع في مجمع الناصرة حيث قرأ كلمات من سفر النبي أشعيا: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ” (لوقا ٤، ١٨، ١٩). ثم فاجأ يسوع الجميع بعظة قصيرة جدا مكوَّنة من جملة واحدة “اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم” (لوقا ٤، ٢١). وتابع الأب الأقدس أن هذا المقطع النبوي يتضمن بالنسبة ليسوع ما هو جوهري فيما يتعلق بما يريد أن يقول عن نفسه، وبالتالي ففي كل مرة نتكلم فيها عن يسوع علينا الرجوع إلى تبشيره الأول هذا. ثم أراد الأب الأقدس التأمل في هذا الجوهر للإعلان وتحدث بالتالي عن خمسة عناصر أساسية.
العنصر الأول هو الفرح ، وذكَّر بكلمات يسوع “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء” (١٨). وواصل البابا أنه لا يمكن الحديث عن يسوع بدون فرح لأن الإيمان هو قصة حب رائعة يجب تقاسمها، وأضاف قداسته أن الشهادة ليسوع وعمل شيء من أجل الآخرين باسمه هو يعني القول أننا تلقينا عطية عظيمة الجمال لا تكفي أية كلمة للتعبير عنها. وذكر البابا بأن الإنجيل يعني البشرى السارة، هو إعلان، بشرى فرح، وأضاف أن مسيحيا حزينا يمكنه أن يتكلم عن أشياء جميلة إلا أن هذا يصبح غير مُجدٍ إن لم يكن الإعلان ينقل الفرح.
عن العنصر الثاني ألا وهو التحرير، فيسوع يقول إنه أُرسل ليعلن للمأسورين تخلية سبيلهم. وتابع الأب الأقدس أن مَن يعلن الله لا يمكنه أن يقوم بضم بغيض أو يضغط على الآخرين بل عليه أن يخفف عنهم، لا يفرض أحمالا بل يعتق منها، عليه أن يحمل السلام لا الشعور بالذنب. ثم أشار البابا إلى أن اتِّباع يسوع يعني تضحيات، وإن كان كل شيء جميل يتطلب هذا فما بالنا بالحقيقة الحاسمة للحياة. إلا أن مَن يشهد ليسوع يُبرز جمال الهدف أكثر من مشقة المسيرة، وعلى كل إعلان بالتالي أن ينقل التحرير، فاليوم هناك فرح لأن يسوع جاء ليحررنا.
العنصر الثالث الذي أراد تسليط الضوء عليه هو النور، فيسوع يقول إنه أتى ليحمل للعميان عودة البصر. ولفت الأب الأقدس الأنظار هنا إلى أنه لا يوجد في الكتاب المقدس قبل المسيح أي حديث عن شفاء أعمى، فقد كان هذا علامة موعودة مع مجيء المسيح. وواصل أننا لا نتحدث هنا عن البصر بمعناه المادي فقط، بل عن نور يجعل الشخص يرى الحياة بشكل جديد. وأضاف الأب الأقدس أن هكذا قد بدأت حياتنا المسيحية بالمعمودية، والتي كانت تسمى في البداية التنوير. وأي نور يهبنا يسوع؟ إنه نور البنوة،. فيسوع هو ابن الله الحبيب والحي دائما، ومعه نصبح نحن أيضا أبناء الله المحبوبين دائما رغم أخطائنا وعيوبنا. وهكذا فالحياة ليست تقدما غير مبصر نحو اللاشيء وليست قضية حظ أو شيئا يعتمد على الصدفة أو النجوم ولا حتى على الصحة والمال، بل على محبة الآب الذي يعتني بنا، بأبنائه المحبوبين. وكم هو جميل أن نتقاسم مع الآخرين هذا النور، قال البابا.
ثم انتقل إلى الحديث عن العنصر الرابع، وهو الشفاء، وذكَّر بحديث يسوع عن أنه جاء ليفَرِّج عن المظلومين. وتابع قداسته أن المظلوم هو مَن يشعر بشيء يسحقه، المرض، التعب، أحمال القلب، الشعور بالذنب، الأخطاء، الرذائل، الخطايا، وأضاف أن ما يسحقنا هو ذلك الشر الذي لا يمكن أن يشفيه أي دواء أو علاج بشري، الخطيئة. والبشرى السارة أن هذا الشر القديم الذي يبدو غير قابل للهزيمة لم تعد له مع يسوع الكلمة الأخيرة، فيسوع يشفينا من الخطيئة دائما ومجانا، ويدعو جميع المرهقين والمثقلين كي يأتوا إليه. الكلمة الأخيرة هي ليد يسوع الممدودة التي تسير بنا إلى الأمام. وأضاف الأب الأقدس أن مرافقة شخص إلى لقاء يسوع يعني حمله إلى طبيب القلب الذي يُنهض الحياة مجددا، أن نخبر الجميع بأن يسوع يعرفهم ويحبهم. وواصل البابا أن مَن يحمل أثقالا يحتاج إلى المغفرة، ومن يؤمن بيسوع لديه هذه العطية ليمنحها للآخرين، قوة مغفرة الله التي تحرر النفس من كل دَين. وشدد على أن الله ينتظرنا دائما ليغفر لنا.
أما العنصر الخامس فهو النعمة، وعاد إلى كلمات يسوع في المجمع حين تحدث عن إعلانه سنة رضا عند الرب. وتابع أن هذا ليس يوبيلا مبرمجا، فيسوع هو يوبيل كل يوم، ومعه تأتي النعمة التي تجعل الحياة الجديدة وتدهشنا. إعلان يسوع بالتالي يجب أن يحمل دائما الاندهاش أمام النعمة، فليس نحن من نصنع أمورا عظيمة بل نعمة الرب هي التي تفعل، من خلالنا نحن أيضا، أشياء غير متوقعة. وتحدث البابا هنا عن مفاجآت الله وقال إن الإنجيل يرافقه حس بالمدهش والجديد له اسم محدَّد: يسوع. ثم تضرع كي يساعدنا يسوع على إعلانه بالشكل الذي يريده هو، بالفرح والتحرير والنور والشفاء والدهشة.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي أراد في لفت الأنظار إلى أن البشرى السارة حسب الإنجيل موجهة إلى الفقراء، وأضاف اننا غالبا ما ننساهم بينما هم من يتوجه إليهم يسوع لأنهم المفضَّلون لدى الله. ودعا الأب الاقدس بالتالي إلى تذكر الفقراء، وقال إن على كل منا كي نستقبل الرب أن يجعل نفسه فقيرا في الداخل، أي أن يهزم أي إدعاء بالاكتفاء الذاتي كي ندرك كوننا في عوز إلى النعمة، أننا في حاجة دائما إلى الله.
هذا وقد دعا الجميع إلى رفع الصلاة من أجل السلام في أوكرانيا مشيرا إلى لقائه صباح اليوم وفد مجلس الكنائس والمنظمات الدينية في أوكرانيا. كما وذكر البابا إبلى ذكرى المحرقة في 27 من الشهر الجاري وأكد أنه لا يمكن أن يكون هناك عمل دائم من أجل بناء الأخوة بدون القضاء أولا على جذور الكراهية والعنف.
التعليقات مغلقة.