أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء في قاعة بولس السادس في الفاتيكان مقابلته العامة مع المؤمنين. وقال في بداية تعليمه إن من تابعه حتى الآن في حديثه عن التمييز قد يفكر كم هو معقد التمييز، وواصل أن الحياة هي المعقدة، وإن لم نتعلم قراءتها فهناك خطر أن نضيعها هباء سائرين إلى الأمام من خلال حيل تقود إلى التدهور. وتابع الأب الأقدس مشيرا إلى أننا نقوم بالتمييز بشكل يومي أردنا أم لم نُرد، فهذا ما نفعل فيما يتعلق بما نأكل أو نقرأ، في العمل والعلاقات، في كل شيء، فالحياة تضعنا دائما أمام اختيارات، وإن لم نقم بالاختيار عن وعي فإن الحياة هي من يختار لنا حاملة إيانا إلى حيثما لا نريد.
إلا أن التمييز لا يتم القيام به بشكل منفرد ولهذا أراد قداسته الحديث اليوم عن بعض الأمور التي بإمكانها أن تجعل التمييز أكثر سهولة، أمور لا غنى عنها بالنسبة للحياة الروحية أولا عند المساعدة الأولى والتي هي العلاقة مع كلمة الله وتعليم الكنيسة، وأضاف أنهما يساعداننا على أن نقرأ ما يدور في القلوب وتعلُّم التعرف على صوت الله وتمييز هذا الصوت عن الأصوات الأخرى التي يبدو أنها تفرض نفسها على انتباهنا لكنها تتركنا في النهاية في تخبط. وذكّر البابا فرنسيس في هذا السياق بحديث الكتاب المقدس عن أن صوت الله يتردد في الهدوء، في الانتباه، في الصمت، وأعطى قداسته هنا مثلا خبرة النبي إيليا الذي لم يتحدث إليه الرب في الريح التي تكسر الصخور ولا في النار أو الزلزال بل في صوت منخفض خفيف. وتابع الأب الأقدس أن صوت الله لا يفرض ذاته، فصوته هادئ، محترِم، متواضع، ولهذا فهو صوت مطَمئن، وأضاف أننا في السلام فقط يمكننا الدخول إلى أعماق أنفسنا ومعرفة الأماني الحقيقية التي وضعها الرب في قلوبنا. وأراد البابا هنا الإشارة إلى صعوبة الدخول في هذا السلام في حالات كثيرة بسبب انشغالنا بأمور حياتنا اليومية ، لكنه دعا المؤمنين إلى أن يتوقفوا بعض الشيء ويدخلوا في ذواتهم، وواصل مشددا على أهمية التوقف ولو دقيقتين للتعرف على ما يشعر به القلب، وأكد أن هذا أمر سيفيدنا كثيرا لأننا في لحظة الهدوء هذه سنسمع على الفور صوت الله.
كلمة الله إنها ليست مجرد نص يُقرأ بل هي رجاء حي، وواصل أنها من عمل الروح القدس، عمل يعزينا ويُعلِّمنا ويمنحنا النور والقوة ومذاق الحياة. شدد البابا فرنسيس بالتالي على أهمية قراءة حتى مقطع أو مقطعين من الكتاب المقدس ووصف هذه المقاطع ببرقيات صغيرة من الله تصل إلى القلب مباشرة، كما وقال إن كلمة الله هي بشكل ما استباق للفردوس. وتابع الأب الأقدس أن هذه العلاقة الحميمية مع الكتاب المقدس والإنجيل تقودنا إلى عيش علاقة حميمية مع الرب يسوع، وشدد قداسته هنا على عدم الخوف من مثل هذه العلاقة، فهي علاقة قلب يتحدث إلى قلب، وأكد أن هذه مساعدة أخرى لا غنى عنها. وأراد البابا هنا لفت الأنظار إلى أننا قد تكون لدينا في بعض الأحيان صورة خاطئة عن الله وكأنه قاضٍ صارم يمسك علينا الأخطاء. وتابع قداسته أن يسوع يكشف لنا على العكس إلها مليئا بالشفقة والحنان، مستعدا للتضحية بذاته من أجلنا مثل الأب في مثل الابن الضال.
هذا وتحدث قداسة البابا هنا عن خبرة شخصية له في الأرجنتين وذلك خلال حج إلى مزار لوخان المريمي، حيث حدثه شاب عن مواجهته لمشكلة خطيرة وأضاف الشاب أنه أخبر أمه بهذه المشكلة فنصحته بأن يقوم بهذا الحج، فستعطيه العذراء النصيحة. وتابع الشاب أنه أتى إلى هذا الحج وشعر بكلمة الله تلمس قلبه، وهو يدرك الآن ما عليه أن يفعل. أكد البابا بالتالي أن كلمة الله تلمس قلوبنا وتغير حياتنا. وأضاف الأب الأقدس أن مَن يبقى أمام يسوع المصلوب يشعر بسلام جديد، فالمسيح على الصليب هو صورة للعجز إلا أنها صورة للمحبة الكاملة القادرة على مواجهة أي اختبار بالنسبة لنا. وتابع الأب الأقدس أن آلام المسيح هي الطريق من أجل مواجهة الشر بدون أن يسحقنا، ففي هذه الآلام ليست هناك إدانة ولا استسلام لأن نورا أكبر يمر بها، نور الفصح الذي يسمح برؤية تصميم أكبر في هذه الأفعال الرهيبة. وواصل قداسة البابا أن كلمة الله تجعلنا ننظر إلى الطرف الآخر، فهناك الصليب، إلا أنه في الطرف الآخر هناك شيء آخر، الرجاء، القيامة. وأكد قداسته أن كلمة الله تفتح أمامنا كل الأبواب لأن الرب هو الباب. كرر الأب الأقدس بالتالي الدعوة إلى العودة إلى الإنجيل خمس دقائق في اليوم وأن نحمله معنا لنقرأ خلال اليوم مقطعا ونجعل كلمة الله تقترب من قلوبنا.
وواصل البابا فرنسيس تعليمه خلال المقابلة العامة مشيرا إلى جمال التفكير في الحياة مع الرب كعلاقة صداقة تكبر يوما بعد يوم. وتابع أن الصداقة مع الله قادرة على تغيير القلوب، وتحدث بالتالي عن إحدى عطايا الروح القدس الكبيرة التي تجعلنا قادرين على أن نرى أبوّة الله، فلدينا آب حنون يحبنا وأحبنا دائما. وتابع قداسته أن خبرة هذه المحبة تجعل القلب يذوب، والشكوك والمخاوف تتساقط، فلا شيء يمكنه معارضة هذه المحبة، محبة اللقاء مع الرب.
ومن هذا المنطلق تحدث الأب الأقدس عن أمر مساعد آخر للتمييز، ألا وهو عطية الروح القدس الحاضر فينا والذي يُعلِّمنا ويجعل كلمة الله التي نقرأها حية، يقترح معانٍ جديدة ويفتح أبوابا كانت تبدو مغلقة ويدلنا على مسارات حياة حيثما كان يبدو هناك فقط الظلام والاضطراب. وسأل الأب الأقدس المؤمنين هنا إن كانوا يُصلون إلى الروح القدس، وقال إننا نصلي إلى الآب وإلى يسوع ولكن لا إلى الروح القدس. وتابع أننا لا نعي أهمية الروح القدس، فهو الذي يمنح الحياة للنفس، فلندعه يدخل، قال البابا. ثم وصف الأب الأقدس الروح القدس بالتمييز العامل فينا، بحضور الله فينا، الهبة، العطية الكبرى.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي اليوم الأربعاء خلال المقابلة العامة مع المؤمنين شدد قداسة البابا فرنسيس على أن هدف التمييز هو التعرف على خلاص الرب العامل في حياتنا، إنه يُذكِّرنا بأننا لسنا بمفردنا أبدا. وكرر البابا مجددا الدعوة إلى الحديث مع الروح القدس وعدم قطع الحوار معه، ثم أكد أن علينا مع هذه المساعدات التي يهبنا الرب إياها ألا نخاف.
هذا وفي تحيته إلى المؤمنين والحجاج الحاضرين في قاعة بولس السادس أراد البابا فرنسيس التذكير، ومع استعدادنا للاحتفال بميلاد الطفل يسوع، بمعاناة أطفال أوكرانيا. وأضاف أن هؤلاء الأطفال يعانون بسبب حرب غير إنسانية وشرسة، ولفت الأنظار إلى ما يواجه هؤلاء الصغار من مشاكل بسبب عدم توفر التيار الكهربائي والتدفئة. وشدد قداسته على أن كثيرين من أطفال أوكرانيا لا يتمكنون اليوم من الابتسام، وحين يفقد طفل القدرة على الابتسام فهذا أمر خطير. وختم الأب الأقدس داعيا الجميع إلى التفكير في الأطفال الأوكرانيين
التعليقات مغلقة.