قال قداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء إن حياتنا هي أثمن “كتاب” أُعطي لنا، كتاب لا يقرأه كثيرون للأسف، أو يقومون بذلك متأخرين جدا، قبل الموت. وفي هذا الكتاب يوجد ما نبحث عنه سدى من خلال طرق أخرى. وقد فهم ذلك القديس اغسطينوس، الباحث الكبير عن الحقيقة، من خلال إعادة قراءة حياته ملاحظا فيها خطوات حضور الرب الصامتة والخفية إنما الحاسمة. ومن هنا جاءت دعوته إلى تنمية الحياة الداخلية لإيجاد ما يتم البحث عنه.
لقد قمنا نحن أيضا مرات كثيرة بخبرة اغسطينوس – ووجدنا أنفسنا سجناء أفكار تُبعدنا عن ذاتنا ورسائل متكررة تلحق بنا الأذى كــ “لا قيمة لي” و” لن أحقق أبدا أمرا جيدا”… أن نقرأ قصتنا يعني أيضا أن نتعرّف على حضور هذه العناصر “السامة”، لنوسّع فيما بعد حبكة قصتنا متعلّمين أن نلاحظ أشياء أخرى، فنجعل قصتنا أكثر غنى وننجح أيضا في إدراك الطرق الخفية التي يعمل الله بها في حياتنا.
أن للتمييز نهجا سرديًا: لا يتوقف عند فعِل محدد بل يدرجه في سياق: من أين يأتي هذا التفكير؟ إلى أين يقودني؟ متى راودني سابقًا؟ لم هو أكثر الحاحا؟، وأضاف أن رواية أحداث حياتنا تتيح أيضا إدراك تفاصيل مهمة بإمكانها أن تشكل مساعدة ثمينة كانت لغاية الآن مخفية، ولفت في الوقت نفسه إلى أن قراءةً، خدمة ولقاء، تبدو كلها للوهلة الأولى أمورا قليلة الأهمية، ولكنها تحمل مع الوقت سلاما داخليا وفرح العيش وتقترح المزيد من المبادرات الجيدة. إن التوقف ومعرفة ذلك أمر ضروري للتمييز، إنه عمل لجمع تلك اللآلئ الثمينة والخفية التي زرعها الرب في أرضنا.
إن الخير خفي وصامت، يتطلب نقبا بطيئا ومتواصلا، وأشار إلى أن أسلوب الله هو كالهواء الذي نتنفسه، لا نراه وإنما يجعلنا نعيش، ونلاحظ ذلك فقط حين ينقصنا. وأضاف أن التعود على إعادة قراءة حياتنا يثقّف النظرة وينقيها ويسمح بملاحظة المعجزات الصغيرة التي يصنعها الله لنا كل يوم. وعندما ننتبه لذلك، نلاحظ اتجاهات أخرى ممكنة تعزز السلام والإبداع. وقد قيل بحكمة إن الإنسان الذي لا يعرف ماضيه محكوم عليه أن يكرره. نستطيع أن نسأل أنفسنا: هل أخبرت أحدًا عن حياتي؟ إنه شكل من أشكال التواصل الأجمل، يتيح اكتشاف أمور كانت حتى الآن غير معروفة، صغيرة وبسيطة، ولكن كما يقول الإنجيل، من الأمور الصغيرة تولد تلك الكبيرة (راجع لوقا ١٦، ١٠).
أن حياة القديسين تشكل مساعدة ثمينة للتعرف على أسلوب الله في حياتنا، وتتيح لنا أن نتآلف مع طريقة عمله. إن بعض تصرفات القديسين تسائلنا وتُظهر لنا معاني جديدة وفرصا جديدة. وهذا ما حصل على سبيل المثال مع القديس اغناطيوس دي لويولا. وفي ختام مقابلته العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء في ساحة القديس بطرس، قال البابا فرنسيس إن التمييز هو القراءة السردية للحظات الجميلة واللحظات المظلمة التي نختبرها خلال حياتنا. في التمييز إن القلب هو الذي يحدثنا عن الله، وينبغي علينا أن نتعلم فهم لغته.
التعليقات مغلقة.