أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول في تأملنا حول موضوع التمييز، أخذنا في عين الاعتبار في التعليم الماضي الصلاة كعنصر له لا غنى عنه، في مفهومها كألفة وثقة بالله. أما اليوم فأريد، بطريقة تكاملية تقريبًا، أن أسلّط الضوء على أن التمييز الجيد يتطلب أيضًا معرفة الذات. فهو في الواقع، يشمل قدراتنا البشرية: الذاكرة، الفكر، الإرادة، العواطف. وغالبًا ما لا نعرف كيف نميز لأننا لا نعرف أنفسنا جيدًا، وبالتالي لا نعرف ما نريده حقًا.
في أساس الشكوك الروحية وأزمات الدعوات، غالبًا ما يكون هناك حوار غير كافٍ بين الحياة الدينية وبُعدنا الإنساني والمعرفي والعاطفي. لقد لاحظ أحد مؤلفي الكتابات الروحيّة كيف أن العديد من الصعوبات المتعلقة بموضوع التمييز تشير إلى مشاكل من نوع آخر، ينبغي علينا أن نتعرف عليها ونستكشفها. وهكذا يكتب هذا المؤلف: “لقد توصلت إلى القناعة بأن أكبر عقبة أمام التمييز الحقيقي (والنمو الحقيقي في الصلاة) ليست طبيعة الله غير الملموسة، بل حقيقة أننا لا نعرف أنفسنا بما فيه الكفاية، وأننا لا نريد أن نعرف أنفسنا كما نحن فعلاً. فجميعنا تقريبا نختبئ وراء قناع ليس فقط أمام الآخرين وإنما أيضا عندما ننظر في المرآة”.
إن نسيان وجود الله في حياتنا يترافق مع جهلنا لأنفسنا وخصائص شخصيتنا ورغباتنا العميقة. إنَّ معرفة الذات ليس بالأمر الصعب، ولكنها متعب: عي تتطلّب عمل صبور للتنقيب الداخلي. وتتطلب القدرة على التوقف، و”إيقاف تشغيل الطيار الآلي”، لكي نكتسب الوعي حول طريقتنا في التصرُّف، والمشاعر التي تسكننا، والأفكار المتكررة التي تؤثِّر علينا، وغالبًا بدون علمنا. كما تتطلب أيضًا التمييز بين العواطف والقدرات الروحية. فـأن أقول “أشعر” ليس مثل قولي “أنا مقتنع”؛ وأن أقول “يطيب لي أن” ليست مثل قولي “أريد أن”. وهكذا ندرك أن النظرة التي لدينا عن أنفسنا وعن الواقع تكون أحيانًا مشوهة بعض الشيء. وبالتالي فملاحظة هذا الأمر هو نعمة! في الواقع، قد يحدث في كثير من الأحيان أن تؤثر علينا بشدة القناعات الخاطئة حول الواقع، والتي بنيناها على الخبرات السابقة فتحدُّ من حريتنا في الالتزام والمخاطرة في سبيل ما يهم حقًا في حياتنا.
اذ نعيش في عصر تكنولوجيا المعلومات، نحن ندرك مدى أهمية أن نعرف كلمات المرور لكي ندخل إلى البرامج التي توجد فيها المعلومات الأكثر شخصية والقيمة. حتى الحياة الروحية لها “كلمات المرور” الخاصة بها: هناك كلمات تلمس القلب لأنها تشير إلى ما يجعلنا أكثر حساسية. والمجرب يعرف هذه الكلمات الأساسية جيدًا، ولكن من المهم أن نعرفها نحن أيضًا، لكي لا نجد أنفسنا حيث لا نريد. إنّ التجربة لا تقترح بالضرورة أشياء سيئة، وإنما غالبًا ما يشير إلى أشياء مضطربة، يتم تقديمها بأهمية مفرطة. وبهذه الطريقة تنوِّمنا مغناطيسيًّا بالانجذاب الذي تثيره هذه الأشياء فينا، أشياء جميلة ولكنها وهمية، لا يمكنها أن تحافظ على ما وعدَت به، وتتركنا في النهاية بحسًّ من الفراغ والحزن. يمكنها أن تكون المؤهلات أو الوظيفة، أو العلاقات، كلها أشياء جديرة بالثناء في حد ذاتها، ولكن إذا لم نكن أحرارًا تجاهها، نخاطر بتغذية انتظارات غير حقيقية، مثل تأكيد قيمتنا على سبيل المثال. غالبًا ما تنتج عن سوء الفهم هذا آلام كبرى، لأنه لا يمكن لأي من هذه الأشياء أن يكون الضمان لكرامتنا.
من المهم أن نعرف ذواتنا، وأن نعرف كلمات مرور قلبنا، وما نحن أكثر حساسية تجاهه، لكي نحمي ذواتنا من الذين يأتون إلينا بكلمات مقنعة لكي يتلاعبوا بنا، وإنما أيضًا لكي نعرف ما هو مهم حقًا بالنسبة لنا ونميّزه عن صيحات اللحظة أو عن الشعارات البراقة والسطحية. يمكن أن يساعدنا في ذلك فحص الضمير، أي العادة الجيدة لكي نعيد قراءة ما يحدث في يومنا بهدوء، ونتعلم أن نلاحظ في التقييمات وفي الخيارات ما نوليه أهميّة أكبر، وما الذي نبحث عنه ولماذا، وماذا وجدنا في النهاية. وأن نتعلم بشكل خاص أن نتعرّف على ما يرضي القلب. لأن الرب وحده هو الذي يمكنه أن يعطينا تأكيدًا لقيمتنا. ويقول لنا ذلك كل يوم من على الصليب: لقد مات من أجلنا، لكي يرينا كم نحن ثمينين في عينيه. ولا يوجد عائق أو فشل يمكنه أن يمنع عنا عناقه الحنون.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إنّ الصلاة ومعرفة الذات يسمحان لنا بأن ننمو في الحرية. إنهما عنصرين أساسيّين للحياة المسيحية، وعنصرين ثمينين لكي نجد مكاننا في الحياة.
التعليقات مغلقة.