أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول أود اليوم أن أتقاسم معكم بعض التأملات حول الزيارة الرسولية التي قمت بها إلى كندا في الأيام الأخيرة. لقد كانت زيارة مختلفة عن الزيارات الأخرى. في الواقع، كان الدافع الرئيسي هو مقابلة السكان الأصليين لكي أعبّر لهم عن قربي منهم وألمي للضرر الذي لحق بهم من قبل أولئك المسيحيين، بما فيهم العديد من الكاثوليك، الذين تعاونوا في الماضي في سياسات الاستيعاب القسري والتحرير لحكومات ذلك الزمن.
بهذا المعنى، كُتِبَت صفحة جديدة في كندا، صفحة مهمة، من المسيرة التي تقوم بها الكنيسة منذ بعض الوقت مع الشعوب الأصلية. وفي الحقيقة كان شعار الرحلة “السير معًا”. مسيرة مصالحة وشفاء، تفترض المعرفة التاريخية، والاصغاء إلى الناجين، والوعي، ولاسيما الارتداد، وتغيير الذهنيّة. يتضح من هذا التعمُّق أن بعض رجال ونساء الكنيسة كانوا من بين أكثر المؤيدين لكرامة الشعوب الأصلية تصميماً وشجاعة، إذ دافعوا عنهم وساهموا في معرفة لغاتهم وثقافاتهم؛ ولكن، من ناحية أخرى، للأسف لم يغب أيضًا أولئك الذين شاركوا في البرامج التي نفهم اليوم أنها غير مقبولة وتتعارض مع الإنجيل. لذلك كان هذا حج توبة. كان هناك الكثير من اللحظات السعيدة، ولكن الحس الذي كان يسيطر كان حسُّ التأمل والتوبة والمصالحة. لأربعة أشهر خلَت استقبلتُ في الفاتيكان، في مجموعات مختلفة، ممثلين عن السكان الأصليين في كندا؛ لقد كانوا بالاجمع ستة لقاءات للتحضير لهذا اللقاء
كانت مراحل الحج الكبرى ثلاث: الأولى في إدمونتون في الجزء الغربي من البلاد. الثانية، في كيبيك، في الجزء الشرقي. والثالث في الشمال في إيكالويت. عُقد اللقاء الأول في Masqwacis”” حيث تجمع قادة وأعضاء المجموعات الأصلية الرئيسية من جميع أنحاء البلاد: First Nations و Métis و Inuit. وقد تذكرنا معًا: الذكرى الطيبة للتاريخ الألفي لهذه الشعوب، في وئام مع أرضهم، هذا هو واحد من أجمل الأشياء للشعوب الأصلية، الانسجام مع الأرض. إنهم لا يسيئون أبدا معاملة الخلق، أبدا. في وئام مع الأرض. وجمعنا أيضا والذكرى المؤلمة للانتهاكات التي عانوا منها، حتى في المدارس الداخلية، بسبب سياسات الاستيعاب الثقافي.
بعد الذكرى، كانت الخطوة الثانية في مسيرتنا هي المصالحة. لا كمساومة بيننا – وإلا سيكون وهمًا ومسرحيّة – وإنما كسماح للمسيح، الذي هو سلامنا، بأن يُصالحنا. لقد فعلنا ذلك بالإشارة إلى صورة الشجرة كمرجع، العنصر المركزي في حياة الشعوب الأصلية ورمزيتها. ذاكرة ومصالحة ومن ثمَّ الشفاء. لقد قمنا بهذه الخطوة الثالثة من المسيرة على ضفاف بحيرة القديسة حنّة، في يوم عيد القديسين يواكيم وحنة. وبالتالي يمكننا جميعًا أن نستقي من المسيح، مصدر الماء الحي،: وهناك في المسيح لقد رأينا قرب الآب الذي يعطينا شفاء الجراح وغفران الخطايا .
من هذا المسار للذاكرة والمصالحة والشفاء ينبع الرجاء للكنيسة، في كندا وفي كل مكان. كما انبعث لتلميذَي عماوس بعد أن سارا مع يسوع القائم من بين الأموات: فانتقلا معه وبفضله من الفشل إلى الرجاء. وكما قُلتُ في البداية، شكَّلَت المسيرة مع الشعوب الأصلية العمود الفقري لهذه الزيارة الرسولية. وعليه عُقد لقاءان مع سلطات البلد والكنيسة المحلية. أمام الحكام ورؤساء السكان الأصليين والسلك الدبلوماسي، أعدتُ التأكيد على الإرادة الناشطة للكرسي الرسولي والجماعات الكاثوليكية المحلية لتعزيز الثقافات الأصلية، مع مسارات روحية مناسبة ومع الاهتمام بعادات ولغات الشعوب الأصلية. الشعوب. في الوقت عينه، سلَّطتُ الضوء على كيفية ظهور الذهنيّة الاستعمارية اليوم تحت أشكال مختلفة من الاستعمار الأيديولوجي، التي تُهدد التقاليد والتاريخ والروابط الدينية للشعوب، وتزيل الاختلافات، وتُركِّز فقط على الحاضر فيما تتجاهل الواجبات تجاه الأشخاص الأشدَّ ضعفًا وهشاشة. لذا فإن الأمر يتعلق باستعادة توازن سليم، وتناغم بين الحداثة والثقافات المتوارثة، وبين العلمنة والقيم الروحية. وهذا الأمر يُسائل بشكل مباشر رسالة الكنيسة المرسلة في جميع أنحاء العالم لكي تشهد و “تزرع” أخوّةً عالمية تحترم وتعزز البعد المحلي بثرواته الكثيرة.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول وتحت شعار الرجاء، كان اللقاء الأخير في أرض الـ Inuit، مع الشباب والمسنين. هذا أيضًا في كندا هو ثُنائيٌّ رئيسي، إنه علامة للأزمنة: الشباب والمسنون في حوار لكي يسيروا معًا في التاريخ بين الذاكرة والنبوة. لتكُن قوّة الشعوب الأصلية في كندا وعملها السلمي نموذجًا لجميع السكان الأصليين لكي لا ينغلقوا على ذواتهم وإنما لكي يقدّموا مساهمتهم الثمينة من أجل بشريّة أكثر أخوَّةً، تعرف كيف تحب الخليقة والخالق
التعليقات مغلقة.