أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول سنتأمل اليوم حول القديس يوسف كأب ليسوع. يقدمه الإنجيليان متى ولوقا على أنه أب يسوع بالتبنّي ولكن ليس كأب بيولوجي. ويحدد متى ذلك، متجنبًا صيغة “ولد”، المستخدمة في نسب جميع أسلاف يسوع؛ لكنه يصفه بأنّه “زَوج مَريمَ الَّتي وُلِدَ مِنها يسوع وهو الَّذي يُقالُ له المسيح”. بينما يؤكد لوقا ذلك بقوله إنّه كان أب يسوع كما “كانَ النَّاسُ يَحسَبونَه”.
لكي نفهم أبوّة يوسف القانونية أو بالتبنّي، يجب ألا يغيب عن بالنا أنه في العصور القديمة في الشرق كان التبنّي أمرًا شائعًا، أكثر مما هو عليه اليوم. لنفكر في الحالة الشائعة في إسرائيل لـ “زواج الأخ بأرملة أخيه” التي تمت صياغتها على هذا النحو في سفر تثنية الإشتراع: “إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيسَ لَهُ ابنٌ، فَلَا تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجنَبِيٍّ. أَخُو زَوجِهَا يَدخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوجِ. وَالبِكرُ الَّذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ الْمَيْتِ، لِئَلَّا يُمحَى اسْمُهُ مِن إِسْرَائِيلَ”. وبعبارة أخرى، فإن والد هذا الطفل هو صهرها، لكن الأب الشرعي يبقى الرجل المتوفي، الذي يعطي للمولود جميع الحقوق الوراثية. والغرض من هذا القانون كان مزدوجًا: ضمان نسل للميت والحفاظ على الميراث.
بصفته الأب الرسمي ليسوع، يمارس يوسف الحق في تسمية ابنه، والاعتراف به قانونيًّا. في العصور القديمة كان الاسم خلاصة وافية لهوية الشخص. وتغيير الاسم كان يعني تغيير الذات، كما هو الحال في حالة أبرام، الذي تغير اسمه إلى “إبراهيم”، وهو ما يعني “أب لكثيرين”، لأنه – كما يقول كتاب سفر التكوين – سيكون أبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ”. كذلك أيضًا بالنسبة ليعقوب الذي دُعيَ “إسرائيل”، أي “من يصارع مع الله”، لأنه صارع الله وجبره أن يباركه. لكنّ تسمية شخص ما أو شيء ما تعني بشكل خاص تأكيد سلطة المرء على ما سماه، كما فعل آدم عندما أعطى اسمًا لجميع الحيوانات.
لقد كان يوسف يعرف أن هناك اسمًا أعده الله لابن مريم: “يسوع”، وهو يعني “الرب يخلص”، كما شرح له الملاك: “لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم”. وهذا الجانب الخاص من شخصية يوسف يسمح لنا اليوم بالتأمُّل حول الأبوة والأمومة. لا يكفي أن تلد طفلاً لتقول إنك أيضًا أب أو أم. “لا أحد يولد أبًا بل يصبح كذلك. ولا يصبح المرء أبًا لمجرد أنّه أنجب ابنًا، وإنما لأنّه يعتني به بمسؤولية. وبالتالي فكلما تحمل أحد مسؤوليّة حياة شخص آخر، فهو يمارس تجاهه نوعًا من الأبوَّة. أفكِّر بشكل خاص في جميع الذين ينفتحون على قبول الحياة من خلال التبني. يُظهر لنا القديس يوسف أن هذا النوع من الروابط ليس ثانويًا، وليس تدبيرًا ناجعًا. وإنما هذا النوع من الاختيار هو من بين أسمى أشكال الحب والأبوة والأمومة. كم من الأطفال في العالم ينتظرون من يعتني بهم! وكم عدد الأزواج الذين يرغبون في أن يكونوا آباء وأمهات لكنهم يفشلون لأسباب بيولوجية؛ أو، على الرغم من أن لديهم أبناء، لكنّهم يريدون أن يشاركوا المحبة العائليّة مع الذين حُرِمُوا منها. لا يجب أن نخاف من اختيار طريق التبني، والمجازفة بـ “مخاطر” الاستقبال.
واليوم أيضًا، مع التيتُّم، هناك نوع من الأنانية. منذ بضعة أيام، كنت أتحدث عن الشتاء الديموغرافي السائد اليوم: الناس لا يريدون إنجاب الأطفال، أو طفل واحد فقط لا غير. وكثير من الأزواج ليس لديهم أطفال لأنهم لا يريدون أو ينجبون طفلاً واحدًا فقط لأنهم لا يريدون غيره، لكن لديهم كلبان، وقطتان … نعم، إنَّ الكلاب والقطط تحل محل الأطفال. نعم، إنه أمر مضحك، أفهم ذلك، لكنه حقيقة. وهذا الإنكار للأبوة والأمومة يقلّل من قيمتنا، ويسلبنا بشريّتنا. وبذلك تصبح الحضارة عتيقة وبدون إنسانيّة، لأنها فقدت غنى الأبوة والأمومة. إن البلد الذي ليس لديه أطفال يعاني – وكما قال أحدهم بروح الدعابة – “والآن من سيدفع ضرائب معاش تقاعدي، بما أنه ليس هناك أطفال؟ من سيعتني بي؟” لقد كان يمزح ولكنها الحقيقة. أطلب من القديس يوسف نعمة إيقاظ الضمائر والتفكير في هذا الأمر: إنجاب الأطفال. إنَّ الأبوة والأمومة هما ملء حياة الإنسان. فكِّروا في هذا الأمر. صحيح أن هناك أبوة روحية وأمومة روحيّة للذين يكرسون أنفسهم لله. ولكن على الذين يعيشون في العالم ويتزوجون أن يفكروا في إنجاب الأطفال، ومنح الحياة، لأنهم سيكونون هم الذين سيغمضون أعينهم، وسيفكرون في مستقبلهم. وإن لم يكن بإمكانكم إنجاب الأطفال، فكِّروا في التبني. إنها مخاطرة، نعم: إنجاب طفل يمثل مخاطرة على الدوام وكذلك التبنّي. ولكن ما هو أخطر هو ألا يكون لديك ابنًا. ما هو أخطر هو إنكار الأبوة، وإنكار الأمومة، الحقيقية والروحيّة. إنَّ الرجل والمرأة اللذان لا يطوران طواعية حس الأبوة والأمومة يفتقدان إلى شيئًا رئيسيًا ومهمًا. فكروا في هذا الأمر من فضلكم. وبالتالي آمل أن تكون المؤسسات مستعدَّةً على الدوام لكي تساعد في هذا المعنى، مع التنبّه والسهر بجدية وإنما أيضًا من خلال تبسيط العملية اللازمة لتحقيق حلم العديد من الصغار الذين يحتاجون إلى عائلة، والعديد من الأزواج الذين يرغبون في أن يبذلوا ذواتهم في الحب.
التعليقات مغلقة.