استهلَّ الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول في هذا التّعليم ما قبل الأخير حول الصّلاة سنتحدّث عن المثابرة في الصّلاة. إنّها دعوة، لا بَل هي وصيّة تأتينا من الكتاب المقدّس. إنَّ المسيرة الروحيّة “للحاجّ الروسيّ” قد بدأت لدى قراءته لجملة من القدّيس بولس في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي: “لا تَكُفُّوا عن الصَّلاة، أُشكُروا على كُلِّ حال”. لقد أثّرت كلمة الرسول في ذلك الرجل وتساءل: كيف يمكننا أن نصلّي دون انقطاع، طالما أنّ حياتنا مجزّأة لعديد من اللّحظات المختلفة، التي لا تجعل التّركيز ممكنًا على الدوام. ومن هذا السؤال بدأ بحثه الذي سيقوده إلى اكتشاف ما يسمّى بصلاة القلب. وهي تقوم على أن نكرِّر بإيمان: “أيها الرّبّ يسوع المسيح، ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ!”. إنّها صلاة تتكيّف شيئًا فشيئًا مع إيقاع النَّفَس وتمتدّ على طول اليوم. في الواقع، إنَّ التنفُّس لا يتوقف أبدًا، حتّى أثناء نومنا؛ والصّلاة هي نَفَسُ الحياة. وبالتالي كيف يمكننا أن نحافظ دائمًا على حالة صّلاة؟ يقدّم لنا التعليم المسيحي اقتباسات جميلة، مأخوذة من تاريخ الحياة الروحية، وتؤكّد على الحاجة إلى صّلاة مستمرّة، تكون ركيزة الحياة المسيحية. وسوف أتناول بعضها.
تابع البابا فرنسيس يقول يؤكّد الرّاهب إفاغريوس البنطي: “لم يُطلَب منا أن نعمل ونسهر ونصوم باستمرار، ولكنَّ الصلاة بدون انقطاع هي شريعة بالنسبة لنا”. لذلك، هناك حماس في الحياة المسيحيّة لا يجب أن يتوقف أبدًا. هو يُشبه إلى حدّ ما تلك النّار المقدّسة التي كانت تُحفَظ في المعابد القديمة، والتي كانت تشتعل دون انقطاع، وكان من واجب الكهنة أن يحافظوا عليها مشتعلة. وبالتالي يجب أن تكون فينا أيضًا نارٌ مقدّسة تشتعل باستمرار ولا يمكن لأي شيء أن يُطفئها.
أضاف الأب الاقدس يقول لقد كان القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، الراعي المُتَنبِّه للحياة العملية يعظ ويقول: “حتّى في السّوق أو في نزهة منفردة يمكنك أن تقوم بصلاة متواصلة وحارّة، وكذلك من الممكن أيضًا أن تصلّي فيما تجلس في متجرك للشّراء أو للبيع، وكذلك حين تطبخ”. لذلك، فالصّلاة هي نوع من المَدرَج الموسيقيّ، نضع عليه لحن حياتنا. هي لا تتناقض مع النشاطات اليومية، ولا تتعارض مع الواجبات والمواعيد الصغيرة العديدة، لا بل هي المكان الذي يجد فيه كلّ عمل معناه، وسببه وسلامه.
تابع الحبر الأعظم يقول من المؤكَّد أنَّ وضع هذه المبادئ موضع التّنفيذ ليس بالأمر السّهل. يمكن لأبٍ وأُمٍّ، تأخذهما آلاف المهام، أن يشعرا بالحنين إلى مرحلة من حياتهما، كان من السهل فيها أن يجدا أوقات متقطعة ومساحات للصّلاة. من ثَمَّ يأتي الأبناء، والعمل، وأمور الحياة العائليّة، ويصبح الأهل مسنّين… فيولد انطباع بعدم القدرة أبدًا على إتمام أي شيء. لذلك من الجيّد أن نفكّر أنّ الله، أبونا، الذي عليه أن يعتني بالكون بأسره، يتذكّر على الدوام كلّ فردٍ منّا. لذلك، علينا نحن أيضًا أن نتذكّره دائمًا!
أضاف الأب الأقدس يقول بعدها يمكننا أن نتذكّر أنّ العمل في الحياة الرهبانيّة المسيحية قد حظي على الدوام بشرف كبير، ليس فقط للواجب الأخلاقي للاعتناء بأنفسنا وبالآخرين، وإنما أيضًا من أجل الحفاظ على نوع من التوازن الداخلي: من الخطر على الإنسان أن ينمّي اهتمامات نظريّة قد تُفقده الاتّصال مع الواقع، ولذلك يساعدنا العمل لكي نبقى على اتصال مع الواقع. إنَّ يَدَي الرّاهب المصلِّيتان تحملان آثار المجرفة والمعول، وعندما قال يسوع لمرتا، في إنجيل لوقا، إنّ الشيء الوحيد الضّروري حقًا هو الإصغاء إلى الله، لم يرد أن يزدري الخدمات العديدة التي كانت تقوم بها بالتزام كبير.
تابع الحبر الأعظم يقول كلّ شيء في الإنسان هو “ثنائي”: جسدنا متناسق، ولدينا ذراعان، وعينان، ويدان اثنتان… وكذلك أيضًا يكمِّل العمل والصّلاة بعضهما البعض. إنَّ الصّلاة – والتي هي “نَفَسُ” كلّ شيء – تبقى كخلفيّة حيويّة للعمل، حتّى في اللحظات التي لا تكون فيها ظاهرة بوضوح. إنّه لأمر غير إنسانيّ أن ننغمس في العمل لدرجة ألا نجد بعدها الوقت للصّلاة.
في الوقت عينه، خلُص البابا فرنسيس إلى القول إنَّ الصّلاة الغريبة عن الحياة ليست سليمة، لأنَّ الصّلاة التي تبعدنا عن جوهر الحياة تصبح مجرّد طقوس. لنتذكّر أنّ يسوع، بعد أن أظهر مجده للتلاميذ على جبل طابور، لم يُرِدْ أن يطيل لحظة الانخطاف هذه، بل نزل معهم من الجبل واستأنف مسيرته اليوميّة. لأنّه كان على هذه الخبرة أن تبقى في قلوبهم كنور وقوّة لإيمانهم. وهكذا، فإنّ الأوقات التي نكرِّسها لكي نمكث مع الله تحيي الإيمان الذي يساعدنا في الحياة الملموسة، والإيمان بدوره يغذّي الصّلاة بدون انقطاع. وبالتالي في هذه الحلقة الدائرية، بين الإيمان والحياة والصّلاة، نحافظ على نار المحبّة المسيحيّة التي ينتظرها الله من كلّ واحدٍ منّا، مشتعلة.
نقلاً عن فاتيكان نيوز
التعليقات مغلقة.