استهلَّ البابا تعليمه الأسبوعي ليوم الاربعاء ٧/ ٩/ ٢٠٢٠ بالقول: نستعيد اليوم التعاليم حول الصلاة التي كنا قد علّقناها لكي نقوم بالتعاليم حول العناية بالخليقة واليوم نستأنفها، ونلتقي إحدى الشخصيات الأكثر جاذبية في الكتاب المقدس بأسره وهو إيليا النبي. فهو يتخطى حدود عصره ويمكننا أن نتنبّه لحضوره حتى في بعض أحداث الإنجيل. فيظهر إلى جانب يسوع مع موسى في حدث التجلّي، كذلك يشير يسوع إليه لكي يدعم ويثبّت شهادة يوحنا المعمدان.
يظهر إيليا في الكتاب المقدّس فجأة وبشكل سرّي قادمًا من قرية صغيرة هامشية تمامًا؛ وفي النهاية سيختفي أمام أعين تلميذه أليشاع على عربة من نار تحمله إلى السماء. وبالتالي فهو رجل بدون بداية واضحة ولاسيما بدون نهاية إذ خُطف إلى السماء ولذلك كانت عودته مُنتظَرَة قبل مجيء المسيح. يقدّم لنا الكتاب المقدّس إيليا كرجل إيمان شفاف: في اسمه الذي قد يعني “يهوه هو الله”، نجد سرّ رسالته. وسيكون هكذا طيلة حياته: رجل شريف ومستقيم غير قادر على القيام بتنازلات تافهة. رمزه هو النار، صورة لقوّة الله المُطهِّرة. سيكون أول من يُمتَحن بقسوة، وسيبقى أمينًا. إنه مثال جميع المؤمنين الذي يختبرون التجارب والآلام ولكنّهم لا يتضاءلون إزاء المثال الأعلى الذي ولدوا من أجله. الصلاة هي العُصارة التي غذّت حياته باستمرار. لذلك هو أحد أحب الشخصيات للتقليد الرهباني، لدرجة أن بعضهم قد اختاروه كأب روحي للحياة المكرّسة لله. إيليا هو الرجل الذي يقف كمدافع عن أولويّة العلي، ولكنّه يجد نفسه أيضًا مجبرًا على التعامل مع ضعفه وهشاشته. من الصعب علينا أن نخبر عن الخبرات التي كانت أكثر إفادة بالنسبة له: إن كانت هزيمة الأنبياء الكذبة على جبل الكرمل، أو الحيرة التي يدرك فيها أنه ليس أفضل من آبائه. إنَّ الإحساس بالضعف، في نفس من يصلي، هو أثمن من لحظات التمجيد، حيث يبدو أن الحياة هي سلسلة من الانتصارات والنجاحات. وهذا واقع نجده في العديد من الدعوات البيبليّة الأخرى حتى في العهد الجديد، لنفكّر على سبيل المثال بالقديس بطرس والقديس بولس.
إيليا هو رجل الحياة التأمليّة والحياة الفاعلة في الوقت عينه؛ فإذ كان يهتمُّ لأحداث زمنه كان قادرًا على مهاجمة الملك والملكة بعد أن كانا قد قتلا نابوت ليأخذا كرمه. وأظهر لنا هكذا أنّه يجب ألا يكون هناك انقسام في حياة الشخص الذي يصلّي: فهو يمثل أمام الله ويذهب للقاء الإخوة الذين يرسله إليهم. إن مِنصَّةَ اختبارِ الصلاة هي المحبة الملموسة للقريب، والعكس صحيح: إن المؤمنين يعملون في العالم بعد أن يكونوا قد صمتوا وصلّوا وإلا فسيكون عملهم متهورًّا خاليًا من التمييز ومجرّد جريٍ محمومٍ بلا هدف.
تجعلنا صفحات الكتاب المقدّس نفترض أنّ إيمان إيليا أيضًا قد عرف تقدُّمًا: فهو أيضًا قد نما في الصلاة وصقلها شيئا فشيئا. لقد أصبح وجه الله أكثر وضوحًا بالنسبة له خلال المسيرة، إلى أن بلغت ذروتها في تلك الخبرة الرائعة عندما ظهر الله لإيليا على الجبل. فهو لا يظهر في العاصفة الهائجة، لا في الزلزال ولا في النار الآكلة وإنما في “صوت نسيم لطيف”. بهذه العلامة المتواضعة يتواصل الله مع إيليا الذي كان في تلك الفترة نبيًّا هاربًا قد فقد السلام. يأتي الله للقاء رجلٍ تعِب، رجلٌ يعتقد أنّه قد فشل على جميع الأصعدة، وبذلك النسيم اللطيف يعيد إلى قلبه السكينة والسلام.
هذه هي قصّة إيليا، ولكن يبدو أنها قد كُتبت لنا جميعًا. ففي بعض الليالي يمكننا أن نشعر بأننا وحيدين وبلا فائدة وعندها ستأتي الصلاة وستقرع على باب قلبنا. وسنتمكن نحن أيضًا من أن نلتقط جميعًا طرف رداء إيليا؛ وحتى إن أخطأنا بشيء ما أو شعرنا بأننا مُهدَّدين وخائفين بعودتنا إلى الله بالصلاة سيعود كمعجزة أيضًا الهدوء والسلام. هذا ما يعلّمنا إياه مثال إيليا.
نقلا عن فاتيكان نيوز
التعليقات مغلقة.