قال البابا اليوم: “أيّها الإخوة والأخوات، الصلاة ليست فقط حركة الشعور وليست عمل ذكاء محض. إنّها تنمو في سرّ هذا المكان الداخليّ الذي يدعوه الكُتّاب الروحيّون “القلب”. وبعيداً عن كونها عملاً ثانويّاً وهامشيّاً، تولد الصلاة من حميميّة شخصنا، كزخم يبحث عن لقاء مع شخص آخر. وبالنسبة إلى المسيحيّ، هذا الشخص الآخر أظهر ذاته في يسوع المسيح، ودخل في علاقة معنا. فالله لم يرَه أحد، فيما عرّفنا عليه الابن الوحيد الذي هو في الآب.وبالتالي ما يصلّي فينا ليس شيئًا خارجيًّا ولا مهارة ثانوية أو هامشيّة نتمتّع بها، بل هي سرّنا الأكثر حميميّة. إن الأحاسيس تصلّي ولكن لا يمكننا أن نقول إن الصلاة هي مجرّد إحساس. الذكاء يصلّي لكن الصلاة ليست مجرّد عمل فكري. والجسد يصلّي ولكن يمكننا أن نتحدث مع الله حتى في أكبر حالات العجز. وبالتالي فإن صلّى القلب صلّى الإنسان بأسره.
لقد اعتاد الناس على الاقتراب من الله بخجل وخوف من هذا السر المذهل والرهيب، وقد اعتادوا كذلك على تكريمه بموقف عُبوديّ، يشبه موقف العبد الذي لا يريد ان يقلّل من احترام سيّده؛ أما المسيحيون فيتوجّهون إليه ويتجرؤون على دعوته بشكل حميم باسم “أب”. لقد أزالت المسيحية كل صلة “إقطاعية” في العلاقة الله. لا توجد في إرث إيماننا عبارات كـ “خضوع” و”عبودية” و”تبعيّة”؛ وإنما كلمات كـ “عهد” و”صداقة” و”شركة”. وفي خطاب الوداع الطويل يقول يسوع لتلاميذه: “لا أَدعوكم خَدَماً بعدَ اليَوم لِأَنَّ الخادِمَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سَيِّدُه. فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي لأَنِّي أَطلَعتُكم على كُلِّ ما سَمِعتُه مِن أَبي. لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم فيُعطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ ما تَسأَلونَهُ بِاسمي”.
وختم البابا تعليمه قائلاً: “في الصلاة، فلنقل كلّ شيء ولنطلب كلّ شيء. لا يهمّ إن كنّا نشعر أنّنا مخطئون حياله، فنحن في الواقع غالباً ما نكون جاحدين وغير مُخلصين. لكنّ الله أمين، وإن توقّف البشر عن حبّه، هو يُتابع حبّهم، حتّى ولو أدّى به الحبّ إلى الجلجلة”. لنحاول جميعًا أن نصلّي هكذا داخلين في سرّ العهد، فنضع أنفسنا بين ذراعي الله الرحيمتين ونشعر بأننا مغمورين من قبل سرّ السعادة التي هي الحياة الثالوثية ونشعر بأننا مدعوون لا يستحقون كل هذا الشرف، ونكرر لله في دهشة الصلاة: هل يُعقل أنّك تعرف الحب فقط؟ هذه هي النواة المتّقدة لكل صلاة مسيحية.
التعليقات مغلقة.