تقديم
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود بعد أربعين يوما من عيد القيامة وقبل عشرة أيام من عيد العنصرة ولهذا يرتبط عيد الصعود ارتباطا وثيقا بعيد القيامة وبعيد حلول الروح القدس على التلاميذ. فمن جهة نحتفل بعيد صعود الرب القائم من الأموات ومن جهة ثانية يمهد صعود المسيح إلى السماء وجلوسه ممجدا عن يمين الآب، لزمن الرسل الذي سيبدأ بعيد العنصرة أي بحلول الروح القدس على التلاميذ وانطلاقهم لحمل البشرى السارة إلى العالم.
الصعود عند مار لوقا الإنجيلي
ان صعود يسوع ودخوله في مجد الأب يتحدث عنهما لوقا في موضعين مختلفين: في الفصل الأخير من إنجيله وفي الفصل الأول من سفر أعمال الرسل. ففي الإنجيل يذكر لوقا أن يسوع أرتفع إلى السماء في اليوم نفسه الذي قام فيه. فبعد ظهوراته لتلاميذه “خرج بهم إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم أنفصل عنهم وصعد إلى السماء. أما هم فسجدوا له، ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا يلازمون الهيكل يسبحون الله” (لوقا50/24-53)
أما في سفر أعمال الرسل فيذكر لوقا أن يسوع بقي “يظهر لتلاميذه مدة أربعين يوما ويكلمهم عن شؤون ملكوت الله. وفيما هم يأكلون أوصاهم بالبقاء في أورشليم وانتظار موعد الآب … حلول الروح القدس عليهم… ولما قال
هذا رفع بمرأى منهم ثم حجبته غمامة عن أبصارهم” (أعمال1/3-10) .
إن عدد الأربعين في الكتاب المقدس هو عدد رمزي يدل على مدة طويلة تمهد لحدث عظيم. فاليهود ساروا أربعين سنة في الصحراء قبل الدخول الى أرض الميعاد، ويسوع صام أربعين يوما قبل البدء برسالته. وكذلك الشيء بصعود يسوع حيث يأتي بعد أربعين يوما من القيامة كما يخبرنا لوقا في أعمال الرسل. ولكن لم ينتظر يسوع أربعين يوما للصعود إلى السماء والدخول في مجد الآب، أن قيامة يسوع وصعوده إلى السماء هما حدث واحد وما الأربعين يوما التي كان يسوع يظهر فيها لتلاميذه هي لكي يهيئهم لنوع جديد من حضوره بينهم، إنها الفترة الأولى من حياة الكنيسة التي عمق فيها الرسل إيمانهم بقيامة يسوع المسيح وإدراكهم للرسالة التي أوكلها إليهم.
أما السحابة التي أخذت يسوع عن عيون التلاميذ فهي رمز لحضور الله. فالله لا يمكن أن يرى بأعين الجسد، لذلك يرمز إليه دوما في الكتاب المقدس بالسحابة. فدخول المسيح في السحابة يعني دخوله في مجد الله. ونفس الشيء السماء (الصعود إلى السماء)، فالسماء ليست الفضاء الخارجي الذي يحيط بالأرض، وليست مكانا يمكن الصعود اليه، إنها لفظة رمزية تشير إلى الله. فالصعود إلى السماء يعني إذا الدخول في مجد الله.
هل الصعود غياب للمسيح ؟
لو كان الصعود غيابا وابتعادا للمسيح لحق لنا أن نحزن ونأسف، فصعود المسيح ليس صعودا مكانيا يجعله بعيد عنّا، على العكس فالمسيح بصعوده لم يتركنا يتامى بل قد ركّز نفسه بيننا في الأماكن التي علّم رسله أن يعرفوه فيها وهي الكتاب المقدس، الأسرار، القريب.
فصعود المسيح إلى السماء هو حضور قوة وفعالية، إنه حضور مكثف، حضور من نوع آخر إنه حضور روحي. وهذا ما يجعلنا أن نفرح لأنه هنا على الأرض معنا ولم يتركنا أبدا فهو حاضر في كل مكان، في قلوبنا وفي الصلاة وفي العمل وفي الانسان.
اليوم كيف نحتفل بعيد الصعود ؟
إن الاحتفال بعيد صعود المسيح إلى السماء هو احتفال به إلها وربا ممجدا وهو مناسبة لتجديد إيماننا به سيدا مطلقا على الكون والخليقة وعلينا، وهذا لا يمكن إلا إذا آمنّا بقيامته من بين الأموات. ونحن قبل أربعين يوما احتفلنا بعيد القيامة وقلنا ” قام المسيح.. حقا قام ” فعلينا الرجوع إلى أنفسنا ونفكّر كيف عشنا هذه الأيام التي مضت، هل كان المسيح هو إلهنا في هذه الفترة أم إننا عدنا إلى الآلهة التي صنعناها لأنفسنا المال، الشهرة، اللذة، السلطة؟
إذا أردنا أن نعيش الصعود علينا أن نصعد نحن أيضا، أن نرتفع، أي أن نتحرر من جاذبية الأرض التي تريد أن تبقينا متعلقين ومنجذبين إلى أنفسنا فقط غير مبالين بالآخرين وكأنهم لا يعنون لنا شيئا. فصعودنا وإرتفاعنا هو تجاوز لحدودنا الضيقة وتغلبا على المعضلات والمشاكل وكل ما يعرقل مسيرتنا في الارتفاع والصعود نحو الله أي نحو الخير، وهذا لا يتم إلا إذا عشنا بالمحبة وللمحبة وتكلمنا مع القريب بلغة الحب والرحمة والانفتاح والتفاهم عندها سنكون في درب الصعود ومن سار على الدرب وصل.
عيد صعود مبارك للجميع
الأب
زيد عادل حبابه
التعليقات مغلقة.